Page 166 - merit 40 apr 2022
P. 166

‫العـدد ‪40‬‬                              ‫‪164‬‬

                               ‫أبريل ‪٢٠٢2‬‬                      ‫بين هذين المفهومين للتعددية‬
                                                                ‫الثقافية‪ ،‬والدفاع عن التنوع‬
      ‫الجماهير العريضة من‬         ‫أم ًرا حمي ًدا أو علة‪ .‬وأرى‬  ‫باعتباره خبرة معاشة ‪-‬وكل‬
 ‫السكان‪ .‬وفي الأسطر القليلة‬     ‫أن الطرفين مخطئان‪ ،‬نظ ًرا‬
                                ‫لأن الفرضيات الثلاثة التي‬          ‫ما يصاحبها من هجرات‬
   ‫التالية‪ ،‬كلمات الاشتراكي‬    ‫يبنيان عليها حججهما معيبة‬        ‫جماعية وانفتاح ثقافي‪ -‬وفي‬
 ‫المسيحي فيليب بوشيز أمام‬                                      ‫ذات الوقت مناهضة التعددية‬
  ‫الجمعية الطبية النفسية في‬                    ‫في الأصل‪.‬‬
                                                                    ‫الثقافية باعتبارها عملية‬
         ‫باريس عام ‪:1857‬‬             ‫***‬                                         ‫سياسية‪.‬‬
    ‫لنتأمل شعبًا مثل شعبنا‪،‬‬
                                      ‫إن الادعاء بأن الأمم‬      ‫ولتوضيح مقصدي‪ ،‬أود أن‬
       ‫يجد نفسه في ظروف‬         ‫الأوروبية كانت متجانسة‪،‬‬          ‫استهل الموضوع بالتساؤل‬
    ‫مواتية‪ ،‬ويتمتع بحضارة‬       ‫وأن ما أدى إلى تنوعها هو‬
    ‫قوية‪ ،‬ويحتل مكانته بين‬     ‫الهجرات الجماعية‪ ،‬قد يبدو‬           ‫عن ثلاث أساطير وهمية‬
                                 ‫منطقيًّا‪ ،‬إلا أن أغلب الدول‬    ‫للهجرة‪ ،‬وهي ثلاث أساطير‬
      ‫أرقى الأمم في مجالات‬     ‫الأوروبية أمست في الحقيقة‬
  ‫العلوم والفنون والصناعة‪.‬‬      ‫أقل تعددية اليوم عما كانت‬          ‫تمثل جوهر الجدل حول‬
  ‫وإنني أرى أن مهمتنا الآن‬     ‫منذ مائة عام‪ .‬والسبب وراء‬       ‫التعددية الثقافية‪ ،‬وهي ثلاث‬
‫استكشاف كيف يمكن لشعب‬                                           ‫أساطير نشأت عن الارتباك‬
  ‫مثل شعبنا أن ينشأ داخله‬          ‫تصورنا عكس ذلك هو‬
 ‫أعراق مختلفة ‪-‬وليس عرق‬        ‫فقدان الذاكرة التاريخية‪ ،‬إذ‬        ‫الذي وصفته عاليه‪ .‬وهي‬
   ‫واحد فقط‪ ،‬وإنما عدد من‬        ‫إننا أصبحنا نتبنى معايير‬       ‫أي ًضا ثلاث أساطير ساهمت‬
‫الأعراق‪ -‬تعد بائسة ودونية‬                                        ‫في الإبقاء على هذا الارتباك‪.‬‬
                                  ‫انتقائية للغاية لتوصيف‬
      ‫وهمجية بقدر يتيح لنا‬                 ‫التعددية ذاتها‪.‬‬           ‫والأسطورة الأولى هو‬
 ‫تصنيفها دون أكثر الأعراق‬                                       ‫الادعاء بأن الأمم الأوروبية‬
 ‫همجي ًة‪ ،‬فلا شك أن دونيتها‬      ‫فإن نظرنا إلى فرنسا‪ ،‬على‬        ‫كانت فيما سبق متجانسة‪،‬‬
  ‫أحيا ًنا لا رجاء من علاجها‪.‬‬     ‫سبيل المثال‪ ،‬فمع اندلاع‬      ‫لكنها أصبحت تعددية بشكل‬
  ‫ويكفي قراءة روايات إيميل‬                                       ‫فريد تاريخيًّا‪ ،‬والأسطورة‬
 ‫زولا‪ ،‬أو أعمال الكونت آرثر‬      ‫الثورة الفرنسية‪ ،‬كان أقل‬
‫جوبينو‪ ،‬وهو من رواد علماء‬         ‫من نصف سكان فرنسا‬                  ‫الثانية هي الادعاء بأن‬
   ‫الأعراق في عصره‪ ،‬لندرك‬         ‫يتحدثون الفرنسية‪ .‬وقد‬        ‫الهجرة المعاصرة مختلفة عن‬
‫مدى تفشي مثل هذا المفهوم‪.‬‬      ‫أوضح المؤرخ ييوجين ويبر‬          ‫موجات سابقة‪ ،‬بما استدعى‬
                                 ‫المدة الزمنية الطويلة التي‬    ‫ضرورة إعادة تنظيم الهياكل‬
    ‫أي أن النخبة الاجتماعية‬     ‫تطلبتها عملية ما أطلق عليه‬
  ‫والفكرية في فرنسا لم تكن‬      ‫«الاستعمار الذاتي»‪ ،‬والتي‬        ‫الاجتماعية بشكل جوهري‬
 ‫تعتبر الأمة متجانسة‪ ،‬وإنما‬        ‫كانت ضرورية لتوحيد‬          ‫يتيح احتوائها‪ .‬أما الأسطورة‬
   ‫كانوا ينظرون إلى الغالبية‬
‫من الفرنسيين بأنهم «ليسوا‬           ‫فرنسا وفئات سكانها‬               ‫الثالثة فهو الإيمان بأن‬
                                   ‫المختلفة‪ ،‬ومدى الصدمة‬           ‫الأمم الاوروبية قد تبنت‬
    ‫منا»‪ ،‬ومن الدونية بحيث‬         ‫والأذى الناجم عن هذه‬          ‫سياسات التعددية الثقافية‬
       ‫أنهم كانوا دون «أكثر‬     ‫العملية‪ .‬وعلى الرغم من أن‬      ‫استجابة لمطالبة الأقليات بها‪.‬‬
                                  ‫هذه التطورات قد خلقت‬          ‫وإن كان طرفا الجدال حول‬
   ‫الأعراق همجية»‪ ،‬بل و»لا‬         ‫الأمة الفرنسية الحديثة‪،‬‬         ‫التعددية الثقافية يتقبلان‬
        ‫رجاء من علاجهم»‪.‬‬          ‫إلا أنها أي ًضا عززت لدى‬          ‫هذه الادعاءات‪ ،‬إلا أنهما‬
                               ‫النخبة إحسا ًسا بمدى غربة‬       ‫يختلفان في رؤيتهما للهجرة‪،‬‬
   ‫وفي إنجلترا خلال العصر‬
     ‫الفيكتوري‪ ،‬أي ًضا‪ ،‬كانت‬                                          ‫والتغيرات الاجتماعية‬
      ‫النخبة تنظر إلى الطبقة‬                                   ‫الناشئة عنها‪ ،‬من حيث كونها‬
   161   162   163   164   165   166   167   168   169   170   171