Page 171 - merit 40 apr 2022
P. 171

‫حول العالم ‪1 6 9‬‬

   ‫أواخر السبعينيات‪ ،‬عملت‬       ‫متعصبًا‪ ،‬أي شخ ًصا مناه ًضا‬         ‫مناهضته للدين والتقاليد‬
 ‫الحكومة على تشجيع أرباب‬          ‫للغرب ويعارض العلمانية‪.‬‬       ‫التي كانت كثي ًرا ما تستخدم‬
‫العمل على بناء زوايا للصلاة‪،‬‬          ‫ما أتيت بذكره هنا عن‬       ‫لوصم مجتمعات المهاجرين‪.‬‬
                                      ‫بريطانيا‪ ،‬ينطبق أي ًضا‬
     ‫في جهود مبذولة لإبعاد‬          ‫على دول أوروبية أخرى‪،‬‬              ‫ولم تكن هناك ظاهرة‬
     ‫العمال المهاجرين‪ ،‬الذين‬        ‫منها ألمانيا أو فرنسا على‬       ‫المؤسسات الدينية خلال‬
  ‫كانوا يشكلون نسبة كبيرة‬            ‫سبيل المثال‪ .‬ومن المثير‬       ‫فترة شبابي‪ ،‬فالمؤسسات‬
  ‫من القوة العاملة‪ ،‬بعي ًدا عن‬     ‫للسخرية هنا‪ ،‬أنه في حالة‬      ‫التي كانت تسود مجتمعات‬
                                     ‫فرنسا‪ ،‬وعلى الرغم من‬
        ‫الأنشطة السياسية‪.‬‬         ‫العدائية الحالية لدى الدولة‬         ‫المهاجرين كانت بشكل‬
‫أي أن الادعاء بأن مجتمعات‬                                          ‫رئيس مؤسسات علمانية‪،‬‬
                                ‫الفرنسية تجاه الإسلام وكل‬          ‫بل وفي أحيان كثيرة ذات‬
  ‫الأقليات طالبت بالاعتراف‬           ‫ما يمثل مؤشرات علنية‬         ‫صبغة اشتراكية‪ :‬منها على‬
  ‫باختلافاتها الثقافية بشكل‬                                       ‫سبيل المثال‪ ،‬حركة الشباب‬
                                  ‫عن الهوية الإسلامية‪ ،‬مثل‬      ‫الآسيويين‪ ،‬أو جمعية العمال‬
     ‫علني‪ ،‬إنما يمثل مغالطة‬          ‫الخمار مث ًل‪ ،‬فإنه خلال‬
    ‫تاريخية‪ ،‬ولم تظهر هذه‬                                                          ‫الهندية‪.‬‬
     ‫المطالبات سوى مؤخ ًرا‪.‬‬       ‫الغالبية من سنوات ما بعد‬      ‫لم تكتسب مسألة الاختلافات‬
     ‫أي أن الأسطورة القائلة‬        ‫الحرب‪ ،‬وبينما ظل العمال‬      ‫الثقافية أهمية سوى مع ذلك‬
                                  ‫المهاجرون علمانيين‪ ،‬إلا أن‬    ‫الجيل الذي بلغ الرشد خلال‬
       ‫بأن التعددية الثقافية‬      ‫الحكومات المتعاقبة اعتبرت‬
      ‫جاءت استجابة لمطالب‬                                         ‫ثمانينيات القرن العشرين‪،‬‬
 ‫الأقليات تخلط بين الأسباب‬          ‫مثل هذه العلمانية شك ًل‬          ‫ومن المثير للسخرية أنه‬
‫والنتيجة‪ .‬فالأقليات لم تجبر‬       ‫من أشكال التهديد‪ ،‬وسعت‬
   ‫السياسيين على استحداث‬                                         ‫جيل أكثر اندما ًجا عن الجيل‬
  ‫سياسات التعددية الثقافية‪،‬‬         ‫لاضفاء شيء من التدين‬           ‫الأول‪ ،‬كما أنه الجيل الذي‬
‫وإنما‪ ،‬وكما سأوضح لاح ًقا‪،‬‬          ‫عليها‪ ،‬مع تشجيعهم على‬
     ‫فإن الرغبة في الاحتفاء‬     ‫الحفاظ على هوياتهم الثقافية‬     ‫كان أكثر إصرا ًرا على الحفاظ‬
‫بالهوية الثقافية تشكلت‪ ،‬وإن‬     ‫التقليدية‪ .‬فأعلن بول ديجود‪،‬‬          ‫على «اختلافه»‪ .‬وهذا في‬
  ‫جزئيًّا على الأقل‪ ،‬من خلال‬        ‫وزير العمالة المهاجرة في‬
    ‫تنفيذ سياسات التعددية‬         ‫حكومة السبعينيات في عهد‬         ‫حد ذاته كفيل بالتشكيك في‬
                                   ‫الرئيس جيسكار ديستان‪،‬‬         ‫الحكمة السائدة حول بزوغ‬
                   ‫الثقافية‪.‬‬        ‫أن «الحق في هوية ثقافية‬       ‫سياسات التعددية الثقافية‬
                                  ‫يتيح للمهاجر‪ ،‬تجاوز البعد‬
       ‫***‬                           ‫الجغرافي والتواصل مع‬                 ‫والأسباب وراءها‪.‬‬
                                     ‫وطنه»‪ .‬فسعت الحكومة‬        ‫إن تبدل المعنى الذي طرأ على‬
    ‫إن الأساطير الثلاثة التي‬                                     ‫كلمة واحدة بعينها يعبر عن‬
     ‫تحدثت عنها هامة لأنها‬            ‫لتجد في الإسلام «قوة‬
                                  ‫نحو الاستقرار‪ ،‬قادرة على‬        ‫هذه التحولات التي أتحدث‬
       ‫تكمن وراء الكثير من‬        ‫اعادة توجيه المؤمنين بعي ًدا‬   ‫عنها‪ .‬فخلال فترة ترعرعي‪،‬‬
 ‫مناقشات الهجرة والتعددية‬           ‫عن الانحراف أو عضوية‬          ‫كان المقصود بوصف المرء‬
  ‫الثقافية في أوروبا‪ ،‬وتعمل‬                                      ‫بأنه «راديكالي»‪ ،‬أنه علماني‬
                                      ‫الاتحادات أو الأحزاب‬
   ‫على تشكيل طرفي الجدال‪.‬‬           ‫الثورية»‪ .‬وعندما اندلعت‬        ‫بجسارة‪ ،‬وغربي في وعيه‬
 ‫أرجو أن أكون قد نجحت في‬           ‫سلسلة من الاضرابات في‬         ‫بذاته‪ ،‬ويساري صراح ًة‪ .‬أن‬
 ‫ضحدها‪ ،‬لنعيد الآن التفكير‬           ‫مصانع السيارات خلال‬
  ‫في كل من التعددية الثقافية‬                                       ‫يكون مثلي‪ .‬أما اليوم‪ ،‬فإن‬
                                                                   ‫كلمة «راديكالي» في سياق‬
                                                                    ‫مسلم يقصد بها العكس‬
                                                                ‫تما ًما‪ ،‬فتصف الكلمة أصوليًّا‬
   166   167   168   169   170   171   172   173   174   175   176