Page 172 - merit 40 apr 2022
P. 172

‫الاستراتيجية عملية إعادة‬               ‫الأربعة الكبرى التي‬           ‫‪170‬‬
‫تعريف للعنصرية‪ ،‬فلم يقصد‬             ‫سادت مشهد الصراع من‬
                                                                  ‫والنقد الموجه لها‪ .‬استهلا ًل‪،‬‬
  ‫بالعنصرية الآن مجرد منع‬              ‫أجل المساواة السياسية‬      ‫لنلقي نظرة على كيفية تطور‬
    ‫الحقوق المتساوية‪ ،‬وإنما‬             ‫هي‪ :‬معارضة ضوابط‬
     ‫منع الحق في الاختلاف‪.‬‬           ‫الهجرة التمييزية‪ ،‬والكفاح‬     ‫سياسات التعددية الثقافية‬
      ‫وأمست الفكرة القديمة‬                ‫ضد التمييز في مكان‬                        ‫تاريخيًّا‪.‬‬
   ‫للقيم البريطانية أو الهوية‬        ‫العمل‪ ،‬ومحاربة الهجمات‬
                                    ‫العنصرية‪ ،‬والقضية الأكثر‬         ‫إلا أن هذا لا يقتصر على‬
‫البريطانية فكرة بائدة‪ ،‬وبد ًل‬                                        ‫قصة واحدة‪ ،‬ففي أرجاء‬
   ‫من أن يتوقع من الآخرين‬                 ‫تفج ًرا‪ ،‬قضية العنف‬         ‫أوروبا‪ ،‬بزغت سياسات‬
     ‫تقبل القيم البريطانية أو‬                       ‫الشرطي‪.‬‬         ‫التعددية الثقافية استجابة‬
     ‫تبني الهوية البريطانية‪،‬‬                                      ‫للهجرة الجماعية‪ ،‬وإن كانت‬
     ‫أصبح للشعوب المختلفة‬                ‫فأدت هذه الصراعات‬        ‫تطورت بطرق مختلفة‪ ،‬فلكل‬
                                        ‫إلى تسييس جيل جديد‬          ‫دولة ‪-‬بريطانيا والنرويج‬
‫الحق في التعبير عن هوياتهم‬              ‫من النشطاء من السود‬          ‫والسويد وألمانيا وهولندا‬
       ‫الخاصة‪ ،‬واستكشاف‬           ‫والآسيويين‪ ،‬بلغت ذروتها في‬
                                   ‫أعمال الشغب التي اجتاحت‬              ‫والدينمارك‪ -‬تاريخها‬
  ‫تاريخهم الخاص‪ ،‬وصياغة‬                 ‫مدن بريطانيا الداخلية‬        ‫للتعددية الثقافية الخاص‬
‫قيمهم الخاصة‪ ،‬والحياة طب ًقا‬          ‫خلال أواخر السبعينيات‬      ‫بها‪ .‬لذا‪ ،‬فإنني أود هنا تناول‬
                                   ‫وأوائل الثمانينيات‪ .‬وأدركت‬       ‫مثالين متناقضين ‪-‬تاريخ‬
         ‫لأسلوبهم الخاص‪.‬‬            ‫السلطات أنه ما لم يتم منح‬    ‫بريطانيا وتاريخ ألمانيا‪ -‬لفهم‬
    ‫ونشأ التشكك في مفهوم‬             ‫مجتمعات السود ش ًّقا من‬         ‫هذه التطورات التاريخية‬
 ‫هوية قومية مشتركة جزئيًّا‬            ‫المصلحة السياسية داخل‬       ‫وأوجه التشابه التي تشترك‬
                                     ‫النظام‪ ،‬فإن الإحباط الذي‬        ‫فيها على الرغم من أوجه‬
       ‫من التشكيك في فكرة‬            ‫أصابهم قد يهدد استقرار‬
      ‫«الكينونة البريطانية»‪.‬‬       ‫المدن البريطانية ذاتها‪ .‬وعلى‬            ‫الاختلافات بينها‪.‬‬
 ‫وساد إدراك واسع الانتشار‬          ‫هذه الخلفية بزغت سياسات‬        ‫لنبدأ ببريطانيا‪ .‬فبينما كانت‬
     ‫لدى السود والآسيويين‬                                          ‫مسألة الاختلافات الثقافية‬
    ‫بأن الحديث عن الكينونة‬                   ‫التعددية الثقافية‪.‬‬
    ‫البريطانية إنما وسيلة لا‬           ‫فقامت السلطات المحلية‬        ‫تؤرق النخبة السياسية في‬
‫تهدف إلى التوسع في المواطنة‬           ‫في المدن الداخلية بابتداع‬  ‫الخمسينيات والستينيات من‬
   ‫لكافة البريطانيين‪ ،‬أ ًّيا كان‬      ‫استراتيجية جديدة تعزز‬
    ‫لونهم أو عقيدتهم‪ ،‬وإنما‬          ‫لدى المجتمعات من السود‬        ‫القرن العشرين‪ ،‬إلا أنها لم‬
‫الهدف منها انكار المساواة في‬                                       ‫تكن‪ ،‬كما سبق وأوضحت‪،‬‬
  ‫الحقوق لبعض المجموعات‪.‬‬                  ‫والآسيويين الشعور‬         ‫تؤرق المهاجرين أنفسهم‪.‬‬
 ‫إلا أن الاستراتيجية الجديدة‬            ‫بأنهم جزء من المجتمع‬         ‫فما كان يشغلهم‪ ،‬لم يكن‬
‫لم تتح َّد فقط المفاهيم القديمة‬     ‫البريطاني‪ ،‬وذلك من خلال‬         ‫الرغبة في معاملة مغايرة‪،‬‬
‫للكينونة البريطانية‪ ،‬بل عملت‬        ‫تنظيم استشارات‪ ،‬ووضع‬
  ‫على إبدال المعنى الجوهري‬         ‫سياسات الفرص المتساوية‪،‬‬              ‫وإنما الحقيقة القائمة‬
  ‫للمساواة‪ ،‬فأصبح المقصود‬           ‫وتأسيس وحدات للعلاقات‬            ‫بأنه يتم معاملتهم بشكل‬
     ‫من المساواة الآن حيازة‬       ‫بين الأعراق‪ ،‬وصرف ملايين‬         ‫مغاير‪ .‬فكانت بالنسبة لهم‬
  ‫حقوق على اختلافها بفضل‬           ‫الجنيهات في منح لمؤسسات‬        ‫العنصرية وعدم المساواة ما‬
‫الاختلافات في العرق والثقافة‬            ‫الأقليات‪ .‬وكان في قلب‬     ‫يمثل قضايا رئيسية‪ ،‬وليس‬
      ‫والعقيدة‪ ،‬وليس مجرد‬
                                                                              ‫الدين والعرق‪.‬‬
                                                                         ‫أما خلال الستينيات‬
                                                                      ‫والسبعينيات من القرن‬
                                                                    ‫العشرين‪ ،‬فكانت القضايا‬
   167   168   169   170   171   172   173   174   175   176   177