Page 169 - merit 40 apr 2022
P. 169

‫حول العالم ‪1 6 7‬‬

     ‫صفة من صفات حياتنا‬             ‫للذاكرة التاريخية حول‬         ‫وتم وضع قانون الهجرة‬
    ‫الاجتماعية‪ ،‬قد يعمل على‬           ‫التوجهات السائدة في‬       ‫البريطاني الأول عام ‪1905‬‬
    ‫إاضعاف مفهوم إنجلترا‬                                        ‫‪ Aliens Act‬بشكل أساسي‬
   ‫أو بريطانيا‪ ،‬والذي ينتمي‬        ‫فترة ما قبل الحرب‪ ،‬كما‬
  ‫إليه كافة الناس من أصول‬          ‫خلق فقدا ًنا للذاكرة حول‬            ‫للعمل على منع يهود‬
   ‫بريطانية في أرجاء رابطة‬     ‫الطبيعة المنقسمة للمجتمعات‬        ‫أوروبا‪ ،‬فكانوا يعتبرون لا‬
     ‫الكومنولث البريطانية»‪.‬‬
 ‫لا شك أن المهاجرين جاؤوا‬            ‫الأوروبية ما قبل هذه‬          ‫بريطانيين‪ .‬وأعرب آرثر‬
                                     ‫الهجرات‪ .‬فمن منظور‬        ‫بلفور‪ ،‬رئيس الوزراء آنذاك‪،‬‬
     ‫من أوطانهم بحشد من‬        ‫تاريخي‪ ،‬لا يتميز المهاجرون‬
 ‫التقاليد والعادات والأعراف‬        ‫الحاليون بالتفرد‪ ،‬كما لا‬       ‫عن أنه مع غياب مثل هذا‬
                                ‫تتميز المجتمعات المضيفة في‬        ‫القانون «فإن البريطانيين‬
       ‫الثقافية‪ ،‬والتي كانوا‬                                       ‫في المستقبل قد يتمتعون‬
 ‫يشعرون بالفخر بها‪ .‬لكنهم‬                     ‫إدراكها لهم‪.‬‬       ‫بذات القوانين والمؤسسات‬
                                                                ‫والدستور‪ ،‬إلا أن جنسيتهم‬
      ‫ناد ًرا ما كانوا يهتمون‬         ‫***‬                          ‫لن تظل ذاتها‪ ،‬ولن تكون‬
    ‫بالحفاظ على الاختلافات‬                                     ‫الجنسية التي نرغب لأحفادنا‬
   ‫الثقافية‪ ،‬كما لم يعتبروها‬      ‫أما الأسطورة الثالثة التي‬
   ‫قضية سياسية‪ .‬ولم يكن‬               ‫تعتمد عليها مناقشات‬            ‫التمتع بها في العصور‬
    ‫ما يلهمهم هو البحث عن‬                                                        ‫القادمة»‪.‬‬
‫هوية ثقافية‪ ،‬بل عن مساواة‬       ‫التعددية الثقافية الأوروبية‪،‬‬
‫سياسية‪ .‬وكانوا يدركون أن‬           ‫فهي أن الدول الأوروبية‬            ‫أما في فرنسا‪ ،‬فقد كان‬
‫جوهر هذا الصراع هو العمل‬           ‫قد صارت متعددة ثقافيًّا‬         ‫قرابة ثلث السكان خلال‬
 ‫على خلق القواسم المشتركة‬                                         ‫ثلاثينيات القرن العشرين‬
  ‫للقيم والآمال والطموحات‬       ‫نظ ًرا لأن الأقليات سعت إلى‬      ‫من المهاجرين القادمين من‬
   ‫التي تجمع بين المهاجرين‬       ‫ترسيخ اختلافها‪ .‬ولا شك‬            ‫أوروبا الجنوبية‪ .‬وبينما‬
  ‫والبريطانيين‪ ،‬وليس إبراز‬       ‫أن مسألة الاختلاف الثقافي‬         ‫نرى اليوم أن المهاجرين‬
    ‫الاختلافات التي لا يمكن‬     ‫للمهاجرين قد شغلت النخب‬            ‫الإيطاليين أو البرتغاليين‬
                                   ‫السياسية‪ ،‬إلا أنها ليست‬
                  ‫تجاوزها‪.‬‬       ‫بمسألة شغلت‪ ،‬حتى وقت‬                 ‫يماثلون البلد المضيف‬
  ‫وينطبق الأمر ذاته على تلك‬       ‫قريب‪ ،‬المهاجرين أنفسهم‪.‬‬      ‫الفرنسي ثقافيًّا‪ ،‬إلا أنه وقبل‬
‫المجموعة التي كانت تقاليدهم‬                                    ‫سبعين عا ًما‪ ،‬كانوا يعتبرون‬
 ‫ومعتقداتهم وأعرافهم تعتبر‬            ‫لنأخذ بريطانيا مثا ًل‪.‬‬    ‫من الأجانب‪ ،‬المعروف عنهم‬
‫على نطاق واسع بأنها الأكثر‬            ‫إن قدوم أعداد كبيرة‬
‫اختلا ًفا عن تقاليد ومعتقدات‬        ‫من المهاجرين من الهند‬          ‫ارتكاب الجرائم والعنف‪،‬‬
 ‫وأعراف المجتمعات الغربية‪،‬‬       ‫وباكستان وجزر الكاريبي‬         ‫ويصعب عليهم الاندماج في‬
                               ‫خلال أربعينيات وخمسينيات‬
      ‫ومن ثم فهي المجموعة‬           ‫القرن العشرين أدى إلى‬          ‫المجتمع الفرنسي‪ .‬وكتب‬
  ‫التي تطالب بالشكل الأكبر‬         ‫تزايد عدم الارتياح حول‬           ‫المؤرخ الفرنسي ماكس‬
                                ‫أثر هذه الهجرة على المفاهيم‬     ‫سيلفرمان قائ ًل‪« :‬إن مفهوم‬
       ‫بالاعتراف باختلافها‪:‬‬     ‫التقليدية للكينونة البريطانية‬       ‫الاندماج السهل اليسير‬
                 ‫المسلمون‪.‬‬      ‫‪ .Britishness‬وطب ًقا لتقرير‬       ‫للمهاجرين الأوروبيين في‬
                                ‫صادر عن وزارة الاستعمار‬        ‫الماضي إنما خرافة لا أساس‬
     ‫إن أنماط موجات هجرة‬           ‫عام ‪ ،1955‬فإن «مجتمع‬
      ‫المسلمين‪ ،‬في الواقع‪ ،‬لا‬   ‫كبير ملون البشرة‪ ،‬باعتباره‬                ‫لها من الصحة»‪.‬‬
 ‫تختلف كثي ًرا عن المجتمعات‬                                       ‫وكان من عواقب موجات‬
                                                                   ‫الهجرة في أعقاب الحرب‬

                                                                     ‫العالمية أن خلق فقدا ًنا‬
   164   165   166   167   168   169   170   171   172   173   174