Page 142 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 142

‫العـدد ‪30‬‬                          ‫‪140‬‬

                                  ‫يونيو ‪٢٠٢1‬‬

                                      ‫د‪.‬خالد طلعت‬

                                  ‫نشأة الحياة‬

    ‫الأعضاء البسيطة في الظهور‪،‬‬     ‫حيوي‪ ،‬وهذا المقال يعمد لعرض‬         ‫لعل السؤال الأعظم والأكثر‬
     ‫ثم ظلت هذه الأعضاء تتعقد‬      ‫آخر ما توصل إليه هذا العلم من‬
   ‫وهكذا؛ ولذلك يمكننا استنتاج‬    ‫كشوفات عن نشأة الحياة وظهور‬               ‫استعصا ًء على الإجابة هو‬
  ‫أن الإرهاصات الأولى للخلية لم‬                                         ‫كيف نشأت الحياة على كوكب‬
   ‫تكن على أي درجة من التعقيد‬        ‫أول الخلايا‪ ،‬وشرحها بأبسط‬       ‫الارض؟ وهو سؤال يتردد كثي ًرا‬
‫ولا كانت تقترب في تعقيدها حتى‬                       ‫طريقة ممكنة‪.‬‬        ‫في معرض الهجوم والتشكيك‬
‫من أبسط خلية معروفة لنا اليوم‪،‬‬
  ‫فالبدايات دائ ًما ما تكون أبسط‬     ‫سنبدأ شرحنا بتوضيح موطن‬               ‫في نظرية التطور‪ ،‬إذ يطرح‬
‫وأكثر تواض ًعا من النتائج؛ وهذه‬     ‫الخلل في السؤال‪ ،‬إذ إن صاحبه‬     ‫المشككون سؤا ًل قد يبدو للبعض‬
  ‫البدايات المتواضعة تحدي ًدا هي‬
‫مجال علم التخليق اللا حيوي أو‬        ‫يتخذ الخلية كما نعرفها اليوم‬          ‫منطقيًّا‪ ،‬وهو‪ :‬لماذا لا تفسر‬
 ‫تخليق الحياة من اللا حياة؛ فما‬          ‫كنموذج للتعقيد مستحيل‬       ‫النظرية كيف جاءت الخلية الأولى‬
  ‫هو هذا العلم وماذا يستطيع أن‬
 ‫يخبرنا عن نشأة الخلية الأولى؟‬        ‫الحدوث تلقائيًّا‪ ،‬ويفترض أن‬         ‫أو هذا السلف المشترك لكل‬
      ‫يعتمد هذا العلم على العديد‬      ‫الخلية الأولى كانت بنفس هذا‬                    ‫الكائنات الحية؟‬
   ‫من روافد العلوم الأخرى مثل‬          ‫التعقيد غير القابل للاختزال‬
  ‫الكيمياء العضوية والجيولوجيا‬        ‫(كما يسمونه)‪ ،‬كما ويفترض‬        ‫وللإجابة على هذا السؤال بشقيه‬
      ‫والفيرولوجي (علم دراسة‬          ‫أي ًضا لنشأتها ظرو ًفا مناخية‬  ‫لماذا وكيف‪ ،‬يجب التنويه أو ًل على‬
     ‫الفيروسات) وعلوم الفضاء‬
    ‫والميتيورولوجي (علم دراسة‬             ‫وبيئية مشابهة لما تعيشه‬       ‫أن لا علاقة له بنظرية التطور‪،‬‬
      ‫النيازك)‪ ،‬ليكشف لنا كيف‬      ‫الخلايا في العصر الحديث‪ ،‬وكلا‬        ‫فالنظرية تشرح كيف تطورت‬
  ‫كانت الأرض قبل ظهور الحياة‬        ‫الافتراضين غير صحيح؛ فنحن‬         ‫الحياة من الحياة لا كيف نشأت‬
  ‫تعج بالجزيئات العضوية (التي‬     ‫نعلم كيف تنزع الحياة دائ ًما نحو‬        ‫من اللاحياة‪ ،‬ولذلك لا يمكن‬
  ‫تشكل اللبنات الأساسية للحياة‬     ‫المزيد من التعقيد‪ ،‬ويدلنا السجل‬       ‫الطعن عليها بسبب فشلها في‬
   ‫كما هو َمعروف)‪ ،‬كما تتواجد‬      ‫الأحفوري على أنها قد بدأت على‬         ‫تفسير ما لا شأن لها به‪ ،‬أي‬
  ‫تلك الجزيئات أي ًضا في النيازك‬                                       ‫بنفس الطريقة التي لا تستطيع‬
                                     ‫كوكب الأرض بأشكال بسيطة‬            ‫بها الطعن على علم طبيب لانه‬
                                   ‫من الكائنات وحيدة الخلية عقب‬        ‫لا يفهم في محركات السيارات‪،‬‬
                                   ‫أن استقر الكوكب بعض الشيء‪،‬‬
                                  ‫وتعافى من فوضاه البيئية الأولى‪،‬‬         ‫وأما البحث في نشأة الحياة‬
                                  ‫ونعلم كذلك أن هذه الكائنات ظلت‬     ‫وكيف ظهرت الخلية الأولى ففرع‬

                                      ‫تتعقد بمرور الزمن‪ ،‬ثم بدأت‬          ‫آخر تما ًما من العلوم يدعي‬
                                                                        ‫‪ Abiogenesis‬أو التخليق اللا‬
   137   138   139   140   141   142   143   144   145   146   147