Page 143 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 143

‫‪141‬‬

‫الأرض ما قبل الحياة‬‫ال ُمضغة أثناء حركتها‬                     ‫منفذة لبعض الجزيئات‬       ‫القادمة من الفضاء السحيق‪ ،‬وفي‬
    ‫داخل الرحم‬                                                    ‫العضوية الدقيقة‬        ‫أي مكان من الكون توفرت فيه‬
                                                                   ‫السابحة حولها؛‬       ‫العوامل المناسبة لتخليقها‪ ،‬فهذه‬
                ‫للجدار الدهني‪،‬‬                                     ‫وبهذا تكون أول‬         ‫الجزيئات العضوية تتخلق من‬
                     ‫كما أن تلك‬                                      ‫وظائف الخلية‬
                                                                     ‫(وهي التغذية‬      ‫تلقاء نفسها وبدافع من خواصها‬
                   ‫الجزيئات أي ًضا‬                                     ‫وامتصاص‬          ‫الكيميائية المتأصلة تحت ظروف‬
                    ‫قابلة للمزيد من التعقيد بفعل‬                        ‫الطعام) قد‬
                   ‫بعض العوامل البيئية مثل تلك‬                       ‫تحققت تلقائيًّا‬      ‫معينة‪ ،‬كان منها تلك الظروف‬
                 ‫المتوفرة حول الفتحات الحرارية‬                                               ‫التي حاقت بالأرض خلال‬
                   ‫‪ Thermal Vents‬الموجودة في‬                     ‫بدون وجود حياة‪،‬‬
                 ‫قاع المحيطات (مبينة بالصورة)‪.‬‬                ‫وبمجرد اتباع قوانين‬          ‫مئات الملايين الأولى من عمر‬
                                                         ‫الديناميكا الحرارية وحركة‬     ‫الكوكب الذي يبلغ أربعة مليارات‬
                        ‫وكلما زاد تعقد الجزيئات‬
                   ‫داخل الحويصلة أصبحت هذه‬                               ‫الجزيئات‪.‬‬        ‫عام ونصف‪ ،‬إذ توفرت حينها‬
                   ‫الحويصلة ‪-‬مرة أخرى بسبب‬            ‫وعندما تكبر هذه الحويصلات‬            ‫جميع العوامل اللازمة لنشأة‬
                ‫قوانين الديناميكا الحرارية‪ -‬أكثر‬      ‫في الحجم نتيجة للتغذية تتخذ‬          ‫الحياة‪ ،‬من زمان طويل ممتد‬
                  ‫قدرة على امتصاص الدهون من‬           ‫اشكا ًل أنبوبية متشعبة يسهل‬       ‫وكوكب ضخم يموج بالتفاعلات‬
                ‫الحويصلة جارتها ذات الجزيئات‬         ‫تقسيمها إلى أجزاء أصغر بفعل‬        ‫الكيميائية والبيئية بالغة التعقيد‪.‬‬
                                                                                           ‫وقد ُو ِج َد عند دراسة تركيب‬
                     ‫الأقل تعقي ًدا؛ وبهذه الطريقة‬      ‫العوامل الميكانيكية الطبيعية‪،‬‬    ‫الخلايا الحديثة أنها تعتمد على‬
                  ‫نشأت لأول مرة فكرة المنافسة‬          ‫مثل حركة الأمواج والتيارات‬        ‫البروتينات والأحماض الأمينية‬
                 ‫والصراع من أجل البقاء والتهام‬                                            ‫المعقدة في عملها‪ ،‬كما وتحوي‬
                                                           ‫المائية الخ‪ ،‬وينتج عن هذا‬      ‫بداخلها عدة عضيات (أعضاء‬
                         ‫الكائنات لبعضها بع ًضا‪.‬‬    ‫الانقسام الميكانيكي نس ًخا مماثلة‬     ‫دقيقة) تقوم كل منها بوظيفة‬
                    ‫وقد اعتمد نجاح هذه الخلايا‬                                          ‫متخصصة‪ ،‬وبما أن تركيب هذه‬
                  ‫الأولى أو الحويصلات المحتوية‬          ‫للحويصلات الأم‪ ،‬وكل منها‬          ‫الأحماض الأمينية من التعقيد‬
                    ‫على الجزيئات العضوية (التي‬        ‫تحتوي على نسخ مماثلة لنفس‬             ‫بحيث يصعب لها أن تتكون‬
                ‫ستصبح المادة الوراثية فيما بعد)‬                                         ‫تلقائيًّا‪ ،‬فلا يمكن للخلايا الأولى‬
                     ‫على قدرة هذه الجزيئات على‬         ‫الجزيئات العضوية الممتصة‪،‬‬           ‫أن تكون قد اعتمدت عليها في‬
                   ‫نسخ نفسها للزيادة في الحجم‬           ‫وبذلك يكون لدينا حتى الآن‬      ‫تكوينها وعملها‪ ،‬بل إن إرهاصات‬
                  ‫والتعقيد‪ ،‬فالجزيئات التي تتعقد‬      ‫حويصلات قادرة على التشكل‬
                ‫بشكل أسرع سوف تنقسم بشكل‬              ‫تلقائيًّا‪ ،‬وعلى أن تتغذى وتكبر‬          ‫تلك الخلايا قد بدأت فقط‬
                  ‫أسرع‪ ،‬وسوف تكون لها الغلبة‬         ‫في الحجم وأن تنقسم‪ ،‬وكل هذا‬         ‫بتجمعات بسيطة من الأحماض‬
                ‫والسيادة في النهاية‪ ،‬وبهذا الشكل‬      ‫تلقائيًّا قبل وجود حياة وبدون‬       ‫الدهنية التي تكونت من اتحاد‬
                  ‫أصبحت لدينا أول وأبسط مادة‬                                           ‫الجزيئات العضوية سالفة الذكر‪،‬‬
                   ‫لشفرة وراثية قادرة على نسخ‬                        ‫حاجة لتدخل‪.‬‬       ‫وبلمرتها في شكل سلاسل دهنية‬
                   ‫نفسها بنفسها ومحمية بجدار‬            ‫وبنفس هذه الآليات تشكلت‬           ‫تكون بطبيعتها أبسط كثي ًرا في‬
                  ‫دهني يسمح بامتصاص الغذاء‬                                               ‫تركيبها عن الأحماض الأمينية‪،‬‬
                    ‫والنمو في الحجم أو ما يشبه‬             ‫الإرهاصات الأولى للمادة‬        ‫وهذه السلاسل من الأحماض‬
                                                     ‫الوراثية‪ ،‬فقط عن طريق سلوك‬        ‫الدهنية بطبيعة تركيبها الكيميائي‬
                                                    ‫تلك الجزيئات العضوية الممتصة‬        ‫تنزع بدورها إلى الالتحام سو ًّيا‬
                                                      ‫داخل الحويصلات‪ ،‬ما تفرضه‬          ‫بشكل تلقائي تحت ظروف بيئية‬
                                                                                       ‫معينة لتكون حويصلات صغيرة‪،‬‬
                                                           ‫عليها خواصها الكيميائية‬       ‫وهذه الحويصلات ذات الجدار‬
                                                        ‫والثرموديناميكية البحتة من‬
                                                     ‫تفاعلات جعلتها تتجمع وتنسخ‬            ‫الدهني تكون بطبيعتها أي ًضا‬
                                                        ‫نفسها باستمرار‪ ،‬باستخدام‬
                                                         ‫المزيد من الجزيئات المتدفقة‬
                                                      ‫عليها بفعل النفاذية الاختيارية‬
   138   139   140   141   142   143   144   145   146   147   148