Page 246 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 246

‫حا ُل السيطرة «التقليدية» التي‬                               ‫يعِّر ُف فيبر الكاريزما‪ :‬بأ ّنها قادرة على خلق‬
                                                               ‫"وحدة انفعالية" في وسطها الاجتماعي‪،‬‬
    ‫مارسها الأمير سيّ ُد الأرض‪،‬‬
    ‫في النّظام القديم‪ .‬ثانيًا‪ ،‬هناك‬                         ‫م ّما يو ِجد قبوًل طاغًيا لدى الّناس حيال هذه‬
‫السيطرة الّتي تقو ُم على ما يتمتّ ُع‬                           ‫الشخصية‪ .‬استعار فيبر مفهوم الكاريزما‬
‫به الفرد من نعمة شخصية وغير‬                                      ‫‪ Charisme Le‬من رودولف سوم؛ المؤّرخ‬

‫عادية (كاريزما)‪ ،‬ما ُيؤ ّم ُن الولاء‬                         ‫والقاضي التابع لكنيسة ستراسبورغ‪ .‬تعني‬
‫ال ّشخصي والثّقة الشخصية بفر ٍد‬                               ‫الكاريزما الّنعمة والهدية‪ ،‬وقد استعملها‬
‫أموا‪ِ ،‬لإا ّمايتبمتّس ُعب ببهمام أُنوبتطّيولمةنأوو مح ٍّني‬
‫صفات قيادية أخرى‪ ،‬وهذه هي‬                                        ‫فيبر لُيمّيز القادة الذين ن ّصبوا أنفسهم‬
                                                            ‫لهذا ال ّدور‪ ،‬وهو أن يّتبعهم الآخرون الذين‬
‫السيطرة الكاريزماتية كما‬
‫ُيما ِرسها ‪-‬في‬  ‫ُيما ِر ُسها النّبي أو‬                               ‫هم في ِمحنة أو بحاجة لاتباع قائد‪.‬‬
 ‫القائد الّذي‬   ‫المجال السياس ّي‪-‬‬

‫ُيت ّو ُج أمي ًرا في الحرب‪ ،‬أو العاهل‬
‫المُنت َخب‪ ،‬أو كبي ُر ال ّساسة‪ ،‬أو‬
‫زعيم الحزب السياس ّي‪ .‬وأخي ًرا‬
‫السيطرة التي ُتفر ُض بق ّوة‬
‫«الشرع ّية»‪ ،‬أي بق ّوة الإيمان‬
   ‫بصلاحية دستو ٍر شرع ٍّي‪ ،‬أو‬                                   ‫الحماس والتفاني‪ .‬إ ّن تفسير‬         ‫وتراقب اندثارها في ذهول‪ ،‬بل أن‬
 ‫بكفاءة وضعية تقو ُم على قواعد‬                                 ‫فيبر للدينامية التاريخية من‬                ‫تك ّرس وقتًا مه ًّما لتطويرها‪.‬‬
  ‫ُتوض ُع على أسا ٍس عقلاني»(‪.)5‬‬                                                                         ‫مفهوم ماكس فيبر عن القائد‬
‫وبما أ ّن موضوع هذه الورقة هو‬                                  ‫منظور الكاريزما ال ّروتينية هي‬
                                                            ‫محاولة لطرح مجموعة نتائج غير‬               ‫الكاريزمي مرتب ٌط بـ»العبقري»‪،‬‬
‫مفهوم الكاريزما السياسية‪ ،‬أو‬                                                                         ‫كما لو أ ّنه موجود منذ عه ٍد ضمن‬
                                                              ‫ُمتو ّقعة‪ .‬كاريزما الساعة الأولى‬
‫الكاريزما في الخطاب السياسي‪،‬‬                                ‫( ُشعلة الحماس) قد ُتح ِّرض أتباع‬          ‫السياق الأخلاقي للتاريخ‪ ،‬وقد‬
    ‫فإ ّن ما يه ّمني قبل أ ّي شي ٍء‬                         ‫البطل أو القائد أ ًّيا كان للتخ ّل عن‬      ‫و ّسع الإيرلندي «ويليام إدوارد‬
‫آخر‪ ،‬هو النّمط الثاني من الأنماط‬                             ‫المنفعة في سبيل قيّم سامية‪ ،‬لكن‬           ‫ليكي» (‪ )1903 -1838‬المفهوم‬
                                                                                                      ‫بطريق ٍة يمك ُن تطبيقها على الذين‬
‫المشار إليها‪« :‬نعني بذلك السيطرة‬                               ‫خلال عملية روتينية الكاريزما‬            ‫يحددون السلوك البشري أكثر‬
‫ال ّلزمة لانقياد الّذين يخضعون‬                                                                         ‫م ّمن يكون محصو ًرا على رمو ٍز‬
                                                              ‫(أي جعل الكاريزما روتينًا) مع‬
‫لكاريزما القائد»(‪ .)6‬إ ّن الانقياد‬                             ‫الوقت تعتب ُر المصالح المادية أو‬                         ‫من المُبدعين‪.‬‬
                                                             ‫المنافع المادية المتزايدة لأتباع هذا‬          ‫إ ّن إدوارد ليكي كان ُمهت ًّما‬
‫والخضوع لشخصية الزعيم‬                                                                                   ‫بالعبقري كشخص غير عادي‬
‫أو الحاكم أو النّبي‪ ،‬فهذا يعني‪،‬‬                                     ‫القائد عامل ُمقنع لهم(‪.)4‬‬        ‫كان يتجاوز قيود الحياة اليومية؛‬
                                                                 ‫ماكس فيبر في كتابه «العلم‬              ‫وبهذا تنذ ُر رؤيته بواحدة من‬
‫بالطبع‪ ،‬شيئًا واح ًدا‪ ،‬هو أ ّن هذا‬                             ‫والسياسة بوصفهما ِحرفة»‬                   ‫أه ّم نظريات فيبر‪« :‬روتين ّية‬
‫ال ّشخص ُيعتب ُر بشك ٍل شخص ّي‬                                                                          ‫الكاريزما»‪ .‬ومثل ليكي؛ يرى‬
‫مدع ًّوا من ال ّداخل ليكون زعي ًما‪،‬‬                          ‫أعطى «ثلاثة أسباب داخلية ُتب ّر ُر‬       ‫فيبر الحالة الكاريزمية الحقيقية‬
                                                                 ‫السيطرة؛ أ ّو ًل‪ ،‬سلطة الأمس‬         ‫ُتم ّه ُد طري ًقا للعادات الوليدة التي‬
 ‫«وأ ّن هؤلاء لا يقومون بطاع ٍة‬                                  ‫الأزلي المتمثلة بالأعراف التي‬         ‫تنش ُأ من حالا ٍت غير عادية من‬
‫امتثا ًل لعادة أو لقانون‪ ،‬بل لأ ّنهم‬
                                                              ‫ق ّدستها صلاحي ُتها الضاربة في‬
                ‫يؤمنون به»(‪.)7‬‬                              ‫ال ِقدم والعادة المُتأ ِّصلة في الإنسان‬

        ‫ُيميّ ُز ماكس فيبر الهيمنة‬                           ‫تحمل ُه على التم ُّسك بها‪ .‬هذه هي‬
‫الكارزماتية من الأشكال التقليدية‬
   241   242   243   244   245   246   247   248   249   250   251