Page 251 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 251

‫‪249‬‬                 ‫ثقافات وفنون‬

                    ‫فن تشكيلي‬

                                                                          ‫الواقعيون‬

‫موريس ميرلو‪ -‬بونتي‬  ‫ليو برساني‬                    ‫أيجين دولاكروا‬                 ‫ُيق ّر المن ّظر الأدبي الأمريكي‬
                                                                                 ‫ليو برسان ي �‪Leo Bersa‬‬
    ‫الفنان من الطبيعة‪ ،‬وأن تكون‬       ‫فنية تقف عن حدود التأمل‪ .‬وإذا‬            ‫‪1981 -1931( ni‬م) في مقالة‬
‫مرجعه لخلق الأعمال الفنية‪ .‬فعلى‬     ‫كان عدد من فلاسفة الجمال قدي ًما‬          ‫له حول الواقعية والخوف من‬
‫الر ّسام أن يكون مثل المرآة يعكس‬                                           ‫الرغبة أن الجدية في الفن الواقعي‬
                                       ‫وحديثًا قد أ ّكدوا على التعارض‬        ‫تبنى على غياب كل ما من شأنه‬
   ‫ما يتراءى له من أشياء العالم‪،‬‬      ‫بين العمل الفني والطبيعة‪ ،‬فذلك‬         ‫أن يذ ّكر المتلقي أن الأمر يتعلق‬
   ‫يكتسي بألوان وأشكال الشيء‬        ‫لأنهم ارتأوا أن جمالية الفن ليست‬         ‫ح ًّقا بالفن‪ .‬قد ينطبق الأمر على‬
 ‫الماثل أمامه‪ ،‬هكذا يشكل قوانينه‬     ‫مجرد امتداد للجمال الطبيعي‪ .‬إن‬          ‫الفنانين المستشرقين كدولكروا‬
    ‫البصرية الصادقة‪ .‬إنها دعوة‬      ‫الفن صنع بشري يحوي بالأساس‬            ‫أو جيروم الذين سعيا إلى تصوير‬
‫لفعل مشاهدة عارفة وواعية لفهم‬                                                ‫الواقع الشرقي المتخيّل كفنانين‬
  ‫العالم‪ .‬عبر حاسة البصر يدرك‬                         ‫قيمة صناعية‪.‬‬         ‫طلائعيين‪ ،‬لكن الفنانين الواقعيين‬
    ‫الفنان المعنى الدفين في الواقع‬   ‫لا مناص أن الفلاسفة والباحثين‬             ‫المغاربة الذين تأثروا باللوحة‬
    ‫الإنساني الذي يحتفظ بصور‬         ‫قد نسبوا لأرسطو مسألة محاكاة‬         ‫الفنية الاستشراقية (الصورة رقم‬
 ‫كامنة لا تنتهي‪ ،‬والتي على الفنان‬    ‫الفن للطبيعة‪ ،‬لكن حر ّي علينا أن‬      ‫‪ ،)3‬اعتبروا الرسم الواقعي لحظة‬
   ‫أن يكون مدركا له حتى يط ّور‬      ‫نقول‪ ،‬إن أرسطو قال أن من شأن‬             ‫مشاهدة عارفة ومتقنة الصنع‪،‬‬
‫تجربته الفنية‪ .‬الإدراك‪ ،‬كما يظهر‬      ‫الفن أن يخلق ما عجزت الطبيعة‬         ‫وأن مشاهد الفن لا تباريها سوى‬
                                                                              ‫حقيقة مشاهد الحياة الواقعية‪.‬‬
     ‫لنا ‪-‬وكما شرحه الفيلسوف‬            ‫على الإتيان به‪ .‬الفن‪ ،‬في نظره‪،‬‬     ‫لقد كان جيل الواقعيين أكثر وفاء‬
 ‫الفرنسي موريس ميرلو‪ -‬بونتي‬           ‫عندما يستلهم الواقع ويشخص‬                ‫لنظرية المحاكاة التي أ ّسسها‬
‫(‪ –1908‬م‪ )1961‬في كتابه «العين‬         ‫المرئي فهو لا ينسخه‪ ،‬بل يوحي‬              ‫أرسطو (‪ 384 -322‬ق‪.‬م)‬
 ‫والعقل»‪ ،‬هو الذي يربطنا بالعالم‬       ‫بما يص ّور‪ ،‬يع ّدل الواقع وين ّقح‬  ‫والتي كانت في نظره تعبر عما هو‬
  ‫ويزودنا بالقاعدة اللازمة لمجمل‬       ‫الحياة‪ .‬هكذا تكون المحاكاة هي‬       ‫حقيقي وجوهري في الحياة‪ .‬ليس‬
 ‫فكرنا ونشاطنا المنتج للمعنى(‪.)4‬‬       ‫بمعنى الإيحاء بالوجود(‪ .)3‬وقد‬       ‫هناك خط فاصل ‪-‬في نظره‪ -‬بين‬
                                       ‫أشاد دافنتشي بأهمية استلهام‬          ‫الفكرة والواقع‪ .‬فمن أجل إدراك‬
                                                                            ‫المثل والأفكار والمعرفة يجب على‬
                                                                              ‫المرء أن يبدأ من العالم الحسي‬
                                                                          ‫(من الطبيعة)‪ .‬لكن مهمة الفنان لا‬
                                                                            ‫تقف عند تأمل الحياة واستقراء‬
                                                                          ‫الواقع وملاحظة الطبيعة‪ ،‬بل يجب‬
                                                                          ‫أن يحيل الإدراك إلى فعل‪ .‬وإن كان‬
                                                                           ‫هنري برجسون (‪)1941 -1859‬‬
                                                                          ‫قد ح ّرج على تقديم استطيقا سلبية‬
                                                                            ‫عبر ما س ّماه الإدراك المحض أو‬
                                                                             ‫التأمل الخالص‪ ،‬فعلينا أن نؤكد‬
                                                                               ‫عكس ذلك أن كل فن هو فعل‬
                                                                           ‫بالأساس‪ ،‬لأنه ليس هناك تجربة‬
   246   247   248   249   250   251   252   253   254   255   256