Page 254 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 254

‫العـدد ‪30‬‬                             ‫‪252‬‬

                                    ‫يونيو ‪٢٠٢1‬‬

     ‫لنا اللصوص وبائعي الهوى‬         ‫وحضوره المتميز والمستقل‪ ،‬وإنه‬            ‫هنا تصبح فكرة وحدة الشكل‬
  ‫والقتلة كشخصيات قد تشبهنا‪.‬‬             ‫من ضروب العبث أن نقيسه‬                 ‫والمضمون قابلة للاستيعاب‬
    ‫شخصيات وضعتها الحياة في‬                ‫بنظرتنا الواقعية العملية أو‬
 ‫مواقف جعلتها تنحرف عما اتفق‬                                                 ‫ما إن نفكر في دور الفهم الذي‬
  ‫عليه من قواعد وأخلاق‪ .‬الإدراك‬     ‫معاييرنا الأخلاقية العادية‪ .‬وليس‬       ‫يمدنا به الفن بالنسبة للواقع على‬
   ‫الفني لا يرى هاته الشخصيات‬         ‫هذا نفي لما أشرنا إليه ساب ًقا عن‬
  ‫إلا ولها حضو ًرا مستق ًّل ومعنًى‬     ‫عكس العمل الفني للواقع ‪-‬على‬           ‫هذا النحو‪ ،‬لا على مبدأ التطابق‪.‬‬
    ‫متفر ًدا؛ بينما الإدراك الجمعي‬    ‫أساس أنه تنقيح للحياة وتمثيل‬          ‫والواقع يكون مفهو ًما على شكل‬

     ‫لا يراها إلا في ضوء صلاتها‬          ‫لما عجزت الطبيعة عن الإتيان‬          ‫أفضل‪ ،‬ليس بوصفه مجموعة‬
   ‫المتشابكة مع المنظومات الدينية‬       ‫به‪ -‬بل كل ما هنالك أن للعمل‬        ‫من الأشياء كالأشجار والطاولات‬
    ‫والأخلاقية والاجتماعية‪ .‬ومن‬      ‫الفني وحدته الجمالية التي يتّحد‬
                                      ‫فيها الشكل بالموضوع‪ .‬ومن ثم‬            ‫والأثاث المنزلي قد نستعملها أو‬
       ‫ث ّم‪ ،‬فإننا نخطئ وبلا شك‬        ‫فإن من شأن اللوحة التشكيلية‬        ‫نستغني عنها‪ ،‬ولكن كأشياء تتمثّل‬
     ‫عندما ُنسقط قيمنا الأخلاقية‬      ‫الأصيلة أن تقدم لنا شخصيات‬
   ‫على الموضوع الجمالي محاولين‬       ‫وأشياء تمنعنا من الرجوع لقيمنا‬        ‫لنا عن طريق التجربة‪ .‬على عكس‬
 ‫استيعابه‪ ،‬وكأن شرط فهم العمل‬       ‫الأخلاقية العادية ونظرتنا الواقعية‬       ‫كل كائن حي‪ ،‬تتوقف حياة كل‬
   ‫الفني لا يتحقق إلا إن ُنظر إليه‬    ‫للعالم‪ .‬يلام الفنان أحيا ًنا لهدمه‬
 ‫كمطابق لأشخاص وأشياء مررنا‬              ‫لطبيعة الأشياء‪ .‬كونه يكشف‬        ‫كائن بشري حي على التجربة وإن‬
‫بهم أو مروا بنا في حياتنا اليومية‪.‬‬                                            ‫كانت لا تقتصر عليها‪ .‬وعندما‬
 ‫هكذا ونعود فنقول‪ ،‬إن الموضوع‬              ‫ما ظل في الكتمان ويصور‬
     ‫الجمالي له كينونته الخاصة‪،‬‬        ‫شخصيات تزعزع ذلك الإيمان‬           ‫يكون لدينا قصور في هذا الصدد‪،‬‬
‫أوبشكل أدق ‪-‬وهنا نستعير عبارة‬         ‫الساذج للأفراد‪ ،‬لكنه من المؤكد‬          ‫فالأعمال الفنية يمكن أن تمدنا‬
                                       ‫أن نظرة العامة للفن تخلط بينه‬            ‫بالفهم (الخيالي) للتجربة في‬
         ‫سارتر‪( -‬موجود لذاته)‬        ‫وبين الأخلاق‪ .‬تجعل الفن يحتكم‬
                                        ‫للقواعد الأخلاقية المتفق عليها‬      ‫مختلف المجالات الحياتية‪ .‬ولكي‬
                                    ‫وإلى الأعراف والعقائد‪ ،‬ويمزجون‬         ‫يكون ذلك على شكل أصح‪ ،‬يجب‬
                                        ‫الموضوع الأخلاقي بالموضوع‬            ‫أن ن ْع ُبر من الفن إلى التجربة لا‬

                                            ‫الفني‪ .‬فالفنان قد يعرض‬                                ‫العكس‪.‬‬
                                                                            ‫إذن فإننا لا نجانب الصواب إذا‬

                                                                              ‫قلنا إن (الواقعة الجمالية) لها‬
                                                                             ‫كينونتها الخاصة تشد انتباهنا‬
                                                                             ‫بوصفها شيئًا جزئيًّا محد ًدا(‪.)9‬‬
                                                                             ‫فالعمل الفني له طابعه الخاص‬

                                                                         ‫الهوامش‪:‬‬

                    ‫‪ -1‬مصطفى فضل النقيب‪ ،‬الحداثة ومثقفو التبعية العربية‪ ،‬اتصالات سبو‪ ،‬المغرب‪ ،2012 ،‬ص‪.5‬‬
‫‪2- Nochlin Linda, “The Imaginary Orient”, WordPress, Richard Howard, www.wordpress.com.‬‬
‫‪Accessed 02-06-2019.‬‬

                    ‫‪ -3‬د‪ .‬سعد القصاب‪ ،‬السريع والعابر والمتشظي‪ ،‬دائرة الثقتفة والإعلام‪ -‬الشارقة ‪ ،2017‬ص‪.20‬‬
                                                                     ‫‪ -4‬مجلة الكرمل‪ ،‬العدد ‪ ،2004 ،78‬ص‪.95‬‬
                                                                                      ‫‪ -5‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.95‬‬

                                                     ‫‪ -6‬زكريا إبراهيم‪ ،‬مشكلة الفن‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬ص‪.156 -155‬‬
               ‫‪ -7‬هربرت ريد‪ ،‬معنى الفن‪ ،‬ترجمة سامي خشبة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪ ،1998 ،‬ص‪.55‬‬
 ‫‪ -8‬جوردن جراهام‪ ،‬فلسفة الفن مدخل إلى علم الجمال‪ ،‬ترجمة محمد يونس‪ ،‬سلسة آفاق عالمية‪ ،‬الهيئة العامة لقصور‬

                                                                                 ‫الثقافة‪ ،‬القاهرة ‪ ،2013‬ص‪.116‬‬
                                                                                      ‫‪ -9‬مشكلة الفن‪ ،‬ص‪.183‬‬
   249   250   251   252   253   254   255   256   257   258   259