Page 249 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 249

‫‪247‬‬          ‫ثقافات وفنون‬

             ‫فن تشكيلي‬

                                                ‫غيابات‬                                 ‫شحنة وجدانية نفسية حاولت‬
                                                                                        ‫أن تش ّكل وعيًا وحما ًسا نحو‬
‫إدوارد سعيد‬  ‫ليندا نوكلين‬                                        ‫تميّزت الأعمال‬         ‫اكتشاف الشرق غير المألوف‬
                                                               ‫الاستشراقية التي‬          ‫والمختلف عن البيئة الغربية‪.‬‬
              ‫ترفلان بثوبين غريبين‪ ،‬تقفان‬               ‫اندرجت ضمن الدراسات‬             ‫وهو ما جعل المستشرق يقيم‬
                                                        ‫«السوسيولوجية» للشرق‬          ‫منطقة متخيّلة تحوي مضامين‬
              ‫بجانب باب مق ّوس‪ ،‬وبالجانب‬                    ‫بأسلوب واقعي ولغة‬            ‫سياسية استعمارية‪ ،‬تحملها‬
             ‫الآخر جلس رجل مغربي أسمر‬                  ‫تشكيلية بليغة الوصف إلى‬     ‫لوحات ذات دقة وغرابة مدهشتين‬
                                                        ‫حد المبالغة‪ .‬وصف يبتعد‬       ‫وفق تصورات ذاتية عن الشرق‬
               ‫البشرة بثوبه الشرقي يحمل‬                   ‫عن التجريد والغموض‬            ‫وحضارته (الصورة رقم ‪.)1‬‬
                                                         ‫ويتّصف بالدقة والمهارة‪.‬‬
              ‫خنج ًرا ملتو ًيا بخيط يش ّده إلى‬             ‫لكنها رغم ذلك لوحات‬            ‫وبهذا المعنى‪ ،‬فقد كان للفن‬
             ‫خصره‪ .‬وبداخل الباب المق ّوس‬                   ‫تقف عند مجموعة من‬         ‫دور ريادي في السير بالحملات‬
              ‫يظهر رجل عجوز وكأنه نائم‬                 ‫الغيابات‪ absences ‬عندما‬
                                                          ‫نعي بها تتمثّل كحاضر‬           ‫الاستعمارية نحوالأمام‪ .‬لقد‬
                                                       ‫يفرض نفسه‪ ،‬أو بالأحرى‬           ‫كانت اللوحة التشكيلية بمثابة‬
                                                        ‫كإشارة لنوع من التجريد‬         ‫الوثيقة الدقيقة أو التقرير ‪-‬أو‬
                                                                                     ‫هي الصورة‪ -‬التي تنقل الشرق‬
                                                                    ‫المفاهيمي(‪.)2‬‬
                                                   ‫الملاحظ المتف ّحص للوحة أيجين‬           ‫إلى عقل الفرد الغربي عبر‬
                                                   ‫دولاكروا ‪Eugène Delacroix‬‬         ‫تصوير تفاصيل الحياة الشرقية‬
                                                ‫(‪1863 -1798‬م) «شارع مكناس»‬         ‫وتمظهرات الثقافة والحياة اليومية‬

                                                       ‫(الصورة رقم ‪ )1‬يقف عند‬                      ‫للأهالي والقبائل‪.‬‬
                                                ‫صورة تكاد تكون صادمة‪ ،‬تعكس‬            ‫اهتم الرسامون كثي ًرا بالعمارة‬
                                                                                     ‫العربية سواء في المدن الكبيرة أو‬
                                                      ‫شخصيات «شرقية» عاجزة‬         ‫القرى الصغيرة وكثّفوا محاولاتهم‬
                                                 ‫وكسولة‪ :‬سيدتان حافيتا القدمين‬
                                                                                         ‫لنقل خصائصها الفريدة في‬
             ‫لوحة للفنان التشكيلي المغربي رشيد شعرير‬                                ‫لوحاتهم وإبراز الأنماط المعمارية‬

                                                                                         ‫العربية الإسلامية من نقش‬
                                                                                     ‫وزخرفة لونية وأشكال متنوعة‪.‬‬

                                                                                        ‫لكن تمثلات الثقافة وصورها‬
                                                                                        ‫في هذه اللوحات تتراوح بين‬
                                                                                     ‫الحقيقة والزيف‪ ،‬فتصف الحياة‬
                                                                                   ‫الشرقية ثارة بصدق‪ ،‬وثارة أخرى‬
                                                                                     ‫يغشى وصفها التلفيق والافتعال‬
                                                                                   ‫والأيديولوجيات‪ .‬مما يجعل المتلقي‬
                                                                                     ‫حائ ًرا‪ ،‬لا يجد سبي ًل إلى القراءة‬
                                                                                      ‫الصحيحة والمدخل السليم لهذه‬
                                                                                     ‫اللوحات‪ ،‬في غياب الأدوات التي‬
                                                                                      ‫تساعده على غربلة هذا الفن من‬

                                                                                                ‫الشوائب العالقة به‪.‬‬
   244   245   246   247   248   249   250   251   252   253   254