Page 191 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 191

‫‪189‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

                   ‫وآخر‬                    ‫أو لاعب بالطيور‬     ‫الخفي‪ ،‬وأن تقتات على روح‬
     ‫وننزع حمالة النهدين‬           ‫فقبضت حبيبتي على عود‬            ‫الشعر الشفافة‪ ،‬البدائية‬
     ‫ونذهب إلى فراش من‬                                              ‫والسحرية والوحشية‪،‬‬
                                                   ‫القصب‬          ‫وتفكك أنماطها وأحلامها‬
                   ‫الرمل‬            ‫وقالت‪ :‬لا يمكن أن نترك‬
           ‫حتى الصباح‪..‬‬                                        ‫وكوابيسها وأنقاضها الملونة‬
        ‫ثم رفد هذه القيمة‬                  ‫الحزام على حاله‬                      ‫العجائبية‪:‬‬
 ‫الجمالية وتغذيتها بكل ما‬             ‫أريد أن أزور الضحية‬
  ‫هو متاح أو ُم ْخ َترع‪ ،‬بد ًءا‬        ‫والرمال تغلق النافذة‬     ‫نسمع في أول الجبل طبو ًل‬
‫من الصحاري و التواريخ‪:‬‬                 ‫وهلالي تملؤه الرغوة‬                        ‫وحشية‬
     ‫لقد خطفوها من أعلى‬
                                                   ‫البيضاء‬       ‫وندفن أعضاءنا في الرمال‬
                   ‫الجبل‬           ‫فأين المحفظة التي ورثها‬       ‫وتقبض على رأسي بيديها‬
   ‫ولفوها بالملاءة الحمراء‬
                                                    ‫المقتول‬                   ‫الصغيرتين‬
     ‫و قرؤوا على جثمانها‬                    ‫في أول الجبل‪..‬‬     ‫وتغني بصوتها الذي يخطف‬
                   ‫الممزق‬           ‫ويتضح جليًّا أن قصائد‬
                                   ‫ديوان «يملأ فمي بالكرز»‬                          ‫الطير‬
          ‫لفائف (قمران)‬            ‫تشترك مع هذه القصائد‬               ‫فأرى أعنا ًقا مقطوعة‬
 ‫ولم تجد قمحها كما قالوا‬         ‫المخطوطة‪ ،‬وكأنما هي حالة‬           ‫وري ًشا على رأس أسد‪..‬‬
                                   ‫أو رؤية للعالم عبر منافذ‬     ‫هذا الاندياح الفني الفياض‪،‬‬
       ‫ولا أكياس الذهب‪..‬‬             ‫متجددة‪ ،‬لكن مساحتها‬          ‫الذي يبدو من قوة و ِح َّدة‬
       ‫ومرو ًرا بالأساطير‬              ‫اتسعت لتجربت ْين أو‬      ‫وعرامة انطلاقه‪ ،‬وكأن ُه غير‬
 ‫والحكايات وحتى الرموز‬             ‫ديوان ْين ينبعان من نفس‬       ‫محسوب ولا متماسك ولا‬
                                      ‫الروح والتوجه الفني‪،‬‬      ‫يخضع مطل ًقا لأي حسابات‬
                 ‫الثقافية‪:‬‬              ‫خاصة قيمة تصدير‬          ‫للقبض والتأطير على هيئة‬
‫فقد رأي (ابن عربي) إليتها‬           ‫الحسية وأسطرة الحالة‬         ‫عمل فني أو جسد محدود‬
                                                                   ‫بتراتبيته وحيّزه المكاني‬
              ‫على صدري‬                            ‫الشبقية‪:‬‬       ‫والزماني و الفني الجمالي‪،‬‬
    ‫وأنا أقرأ فصوصه على‬               ‫يؤلمني هلالي هذه المرة‬       ‫يمكننا أن نعده وش ًما أو‬
                                                                    ‫خصيصة جمالية تمثل‬
           ‫شمعة ضعيفة‬                      ‫فقد أهملته كثي ًرا‬     ‫بصمة الراحل الأسلوبية‪،‬‬
    ‫أدعو أن تقوم على أول‬         ‫وأريد أن أدخل أصابعي في‬       ‫التي توزعت بامتداد دواوينه‬
                                                                  ‫الأسبق‪ ،‬ثم وصلت لأعلى‬
                   ‫الجبل‬                             ‫الرمل‬         ‫درجات انفلاتها وبالتالي‬
         ‫فالرحلة في أولها‬         ‫وأقضم الحشائش المبلولة‬           ‫تميزها‪ ،‬في هذه القصائد‬
                                 ‫وأفرح بالرغوة البيضاء على‬       ‫المخطوطة بعد أن اختبرت‬
            ‫ولا ذراع لي‪..‬‬                                       ‫هذه العرامة ساب ًقا في «يملأ‬
     ‫نحن في ترنيمة فتحي‬                             ‫ظهري‬
  ‫عبد الله الأخيرة ‪-‬الأكثر‬              ‫وأخلع سروالي أمام‬                   ‫فمي بالكرز»‪:‬‬
    ‫اقترا ًحا جماليًّا وجنو ًنا‬                                 ‫الساحر خلع قبعته وأخرج‬
 ‫خا ًّصا في الحقيقة‪ -‬بإزاء‬                ‫الشمس في نشوة‬
   ‫نصوص طائرة ومحلقة‬             ‫فإذا جاء الطوفان ولم أدرك‬                        ‫صقرين‬
  ‫للأعلى وللأسفل م ًعا‪ ،‬في‬                                        ‫أمام الخيمة التي ننام بها‬
   ‫سموات الآلهة والأنبياء‬                          ‫السفينة‬
                                  ‫أنام على ذراعيك في خوف‬            ‫وقال‪ :‬لا يخرج من هنا‬
       ‫والأولياء والأقطاب‬                                                          ‫ملاكم‬
   ‫وزعماء وكهان القبائل‪،‬‬             ‫وتأخذني إلى شجرة لا‬
‫وفي نفس اللحظة الشعرية‪،‬‬                    ‫تأتي الطيور لها‬
   ‫في باطن الأرض الأولى‪،‬‬
                                 ‫وتسمع الصدقات بين حين‬
   186   187   188   189   190   191   192   193   194   195   196