Page 192 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 192

‫العـدد ‪29‬‬        ‫‪190‬‬

                                                           ‫مايو ‪٢٠٢1‬‬  ‫حاملة الحكايات والأساطير‬
                                                                                      ‫والترانيم‪:‬‬
 ‫تشوشها البديع وذاكرتها‬            ‫وأنزلها إلى بئر عميقة‬
 ‫الملتهبة البليغة‪ ،‬وحواسها‬      ‫وتنتظر الأدلاء من مهاجر‬                      ‫فأنا عاصفة سوداء‬
                                                                       ‫تأخذ العظام المكسورة إلى‬
    ‫العرفانية الباطنية التي‬                      ‫صغير‬
           ‫تذوق وتعرف‪:‬‬          ‫يطرد الذباب عن حوضها‬                                      ‫بئر لا‬
                                 ‫ويبكي على العشب حتى‬                                 ‫يعرفها أحد‬
‫فيأخذني المنشد الأعمى إلى‬                                                ‫وتغطس بين الدلافين في‬
           ‫حلقة البوذيين‬                           ‫تعود‬                             ‫غمضة عين‬
                                      ‫وحملها وراء ظهره‬                  ‫وتخرج بالخاتم الضائع‪..‬‬
   ‫ويضحك من الإشارات‬             ‫حتى يرى القمر نصفين‬                       ‫مع الجدات والحبيبات‬
               ‫المفضوحة‬          ‫فيخلع قلنسوته السوداء‬                     ‫والجنيات والدراويش‬
                                 ‫وينادي على روحي التي‬                 ‫والراقصين والخائفين طول‬
    ‫حبيبي شارته خضراء‬                  ‫مزقوها في الحرب‬                   ‫الزمن‪ ،‬الحالمين بالتماس‬
 ‫ويضع رأسه على بطني‪..‬‬          ‫فكيف أمشي على الجماجم‬                        ‫النبع من بين أصابع‬
‫وصارت كذلك هي البلاغة‬                                                      ‫العارفين الباحثين عن‬
                                                ‫والعظام‬               ‫السلوى في الحب‪ ،‬أو وسط‬
       ‫المنفتحة‪ ،‬باندياحها‬    ‫والضحية تتبعني من سوق‬                    ‫الجماعة البشرية الحاضنة‬
   ‫وشجاعة خيالها ومكره‬                                                 ‫أ ًّيا كان شكلها أو مكوناتها‬
                                                   ‫لآخر‬
       ‫وتحفزه‪ ،‬على جميع‬           ‫و لا أرى َملاكي إلا من‬                               ‫الثقافية‪:‬‬
    ‫البلاغات ولكن بالضد‬                                                ‫تتبعني المجندة الشقراء في‬
                                               ‫المؤخرة‪..‬‬
      ‫والعكس والنقيض‪..‬‬                ‫إنها قصائد منفلتة‪،‬‬                                ‫البراري‬
   ‫ربما وصل هذا الشاعر‬         ‫متوحشة وعارية‪ ،‬لا تتغيا‬                          ‫وأنا لا صقور لي‬
 ‫الكبير بديوانيه الأخيرين‪،‬‬      ‫إلا الوصول إلى كل ما هو‬                     ‫وتقرأ صحائفها أمام‬
 ‫المنشور منهما والمخطوط‪،‬‬        ‫جوهري وحقيقي وصافي‬
   ‫إلى ذروة تميزه في هذه‬           ‫ومتوهج وصادق‪ ..‬إن‬                                   ‫البوذيين‬
‫الشعرية التي يقدمها نصه‬           ‫الروح الفنية المتأرجحة‬                   ‫في كبرياء لا حدود له‬
‫بالتحديد في ديواننا العربي‬      ‫بين السيريالية والدادائية‬                    ‫لا تقترب من سفينة‬
‫الحديث‪ ..‬وربما تبقى هذه‬            ‫هنا‪ ،‬تجمع بين أطراف‬
                                 ‫وأهداب وأعراف الوجود‬                                   ‫المهربين‬
     ‫القصائد بمثابة محفز‬            ‫والتواريخ والذكريات‬                        ‫إلا بإشارة مني‪..‬‬
    ‫جمالي للحفر في مجمل‬              ‫والأصوات والأفكار‬                ‫وكأن هذه النصوص طيور‬
   ‫أعماله وإعادة اكتشاف‬         ‫والروائح واقتراحات رتق‬                     ‫خرافية لها القدرة على‬
‫ترنيماته ورؤاه الفنية‪ ،‬بعد‬      ‫خيوط العالم الممزقة‪ ..‬إلخ‬               ‫استخدام السكين وإسالة‬
   ‫اكتمال همسه وصراخه‬           ‫بأداء عفوي لا افتعال فيه‬                   ‫الدم‪ ،‬لكنها لا تزيل إلا‬
    ‫وبوحه الفني بالرحيل‬           ‫ولا تغريب رغم الجمل‬                    ‫الزوائد غير المنتجة مثل‬
 ‫الفيزيقي‪ ..‬تلك النصوص‬           ‫التي تبدو وكأنها ممزقة‬               ‫التواريخ المزيفة والذكريات‬
 ‫التي ربما‪ ،‬لم تع ِط نفسها‬    ‫الأنفاس أو مقطعة الأوصال‬                ‫التي ثبت عجزها عن تجديد‬
    ‫لنا نحن المتلقين‪ ،‬نظ ًرا‬    ‫بل هو الصدق فقط‪ ،‬حتى‬                        ‫أجنحتها لصالح قلب‬
    ‫لطبيعتها المراوغة‪ ،‬بما‬         ‫لو كان صدق الحواس‬                           ‫الإنسان الحقيقي‪:‬‬
‫يكفي ويليق بتميز التجربة‬           ‫التي انفلتت أخي ًرا من‬                    ‫ربما خطفها حارس‬
 ‫الشعرية التي خرجت من‬             ‫عقالها الخانق‪ ،‬فصارت‬
    ‫رحمها وخصوصيتها‪،‬‬              ‫هي الروح المنفتحة على‬                                ‫الرؤوس‬

                ‫حتى الآن‬
   187   188   189   190   191   192   193   194   195   196   197