Page 203 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 203

‫يتبادر إلى الذهن إذا تأملنا في مفهوم‬
    ‫"الجامعة" أن نتخيل فضا ًء علم ًّيا عقل ًّيا‬
         ‫يسمح بالتفكير الحر والرؤية غير‬
   ‫المقيدة‪ ،‬وإعادة مساءلة الأفكار‪ ،‬ونشر‬
   ‫خلاصة هذه الممارسات وتقديمها إلى‬

‫المجتمع مما يساعد على تطوير المجتمع‬
‫ونشر قيم العدالة والحرية والقانون إلى‬

   ‫آخر هذا الطرح النظري الجميل‪ .‬ولكن‬
      ‫الحقيقة عكس ذلك التصور النظري‬
                                        ‫تما ًما!!‬

  ‫الحنفي– تفسير وحديث– فيزياء‬         ‫يأتون دائ ًما من كليات‬           ‫آلاف الكتابات إبدا ًعا ونق ًدا ولا‬
 ‫(مع شرح للميكنة)– علم النبات‪.‬‬          ‫الآداب‪ ،‬خصو ًصا في‬                ‫تجد أي مردود معرفي ثقافي‬

   ‫هذه هي المقررات العشرة التي‬       ‫جامعتي القاهرة وعين‬              ‫لهذه الكتابات‪ ،‬ليس لأنها عديمة‬
 ‫أرادها علي مبارك في مدرسة دار‬       ‫شمس‪ ..‬ما الذي حدث؟‬                    ‫القيمة‪ ،‬أو تافهة (وإن كان‬

   ‫العلوم نقلتها كما هي وما بين‬   ‫أشعر بالكثير من الحساسية تجاه‬        ‫الكثير منها عديم القيمة) ولكن‬
    ‫القوسين موجود هكذا في أول‬     ‫هذا السؤال‪ ،‬كوني منتميًا إلى كلية‬  ‫السبب الحقيقي يكمن في وضعها‬
‫جدول دراسي لمدرسة دار العلوم‪.‬‬                                         ‫باعتبارها نشا ًطا جانبيًّا وفرد ًّيا‪.‬‬
‫وفي تاريخ طويل‪ ،‬لا يسمح المجال‬                        ‫دار العلوم‪.‬‬
‫لسرده‪ ،‬تم غلق المدرسة وإعادتها‬       ‫منذ العام ‪ 1871‬قرر علي باشا‬           ‫الملاحظ أن كثيرين‬
‫وتعديل مقرراتها وجعلها مدرسة‬        ‫مبارك إنشاء مدرسة توفر نو ًعا‬        ‫من النقاد البارزين في‬
   ‫عليا أو مدرسة عادية‪ ،‬مرت به‬        ‫من التعليم لم يكن متوف ًرا في‬
 ‫هذه المدرسة‪ ،‬حتى صارت أخي ًرا‬                                             ‫هذه الفترة تخرجوا‬
    ‫داخل الحرم الجامعي‪ ،‬وتقوم‬          ‫زمنه‪ ،‬ولم يكن تدريس اللغة‬          ‫من كلية دار العلوم‪،‬‬
                                  ‫العربية وعلومها وآدابها مما يفكر‬       ‫التي تتهمها الأوساط‬
      ‫بتدريس آداب اللغة العربية‬   ‫فيه علي باشا مبارك‪ ،‬فالأزهر كان‬    ‫الأكاديمية والثقافية بأنها‬
  ‫وعلومها والدراسات الإسلامية‪،‬‬     ‫يقدم هذا النوع من التعليم‪ ،‬لذلك‬   ‫رجعية‪ ،‬تميل إلى تدريس‬
  ‫وهو الشيء الذي لم يكن ضمن‬                                              ‫النظريات القديمة ولا‬
‫مخطط مؤسسها علي مبارك باشا‪.‬‬         ‫ففي أول جدول دراسي لمدرسة‬            ‫تتحمس للجديد الذي‬
  ‫لم يكن في مصر إلا دار القضاء‬      ‫دار العلوم ستجد فيه مقررات‪:‬‬         ‫يأتي من الغرب‪ ،‬بينما‬
                                                                          ‫كان النقاد المتميزون‬
    ‫الشرعي ومدرسة دار العلوم‬          ‫الفلك– طبيعة (مع التجارب)–‬
       ‫العليا‪ ،‬والأزهر قبل إنشاء‬     ‫السكك الحديدية– فن العمارة–‬

                                        ‫ميكانيكا– تاريخ عام– الفقه‬
   198   199   200   201   202   203   204   205   206   207   208