Page 204 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 204

‫العـدد ‪29‬‬                            ‫‪202‬‬

                                     ‫مايو ‪٢٠٢1‬‬

‫وكنت أجد صدى هذه الصورة في‬           ‫كلية العلوم)‪ ،‬وهو نفس ما فعلته‬            ‫الجامعة‪ ،‬وكان قبول الطالب‬
  ‫تعقيبات أصدقائي على ما أكتب‬         ‫عندما غيرت مدرسة دار العلوم‬            ‫دار ًسا فيها يخضع لاختبارات‬
   ‫أو في الندوات‪ ،‬وكوني من دار‬         ‫إلى كلية وألحقتها بجامعة فؤاد‬        ‫قاسية ج ًّدا وكشف طبي دقيق‪،‬‬
 ‫العلوم كان محل الاندهاش أكثر‬          ‫الأول عام ‪ .1946‬وقد خضعت‬             ‫وبالتالي كان خريجوها مميزين‬
 ‫مما قلت‪ ،‬وكنت أرى في هذا عدا ًء‬                                              ‫في زمهم‪ ،‬من جهتين‪ :‬لانعدام‬
    ‫فكر ًّيا ومعنو ًّيا لأن التصنيف‬         ‫مناهج دار العلوم للتغيير‬
           ‫المجحف يفسد الفكر‪.‬‬           ‫والتحريف والتبديل على مدى‬              ‫المنافس‪ ،‬والتدقيق في معايير‬
     ‫أما الجزء الثاني من السؤال‬         ‫تاريخها الطويل‪ ،‬حتى صارت‬                                 ‫الاختيار‪.‬‬
                                     ‫إلى المرحلة الحالية‪ ،‬وهي أضعف‬
‫والمتعلق بتواجد نقاد تخرجوا من‬         ‫مرحلة شهدتها الكلية من جهة‬          ‫بعد إنشاء الجامعة ‪ 1908‬والبدء‬
   ‫دار العلوم في الساحة الثقافية‪،‬‬     ‫المقررات الدراسية نفسها‪ ،‬إذا ما‬           ‫بكلية الآداب‪ ،‬ظهر في الأفق‬
                                       ‫قار َّناها بتاريخ مقرراتها‪ ،‬وهو‬
‫فهذا يرجع إلى السمات الشخصية‬           ‫موضوع يحتاج إلى بحث‪ ،‬لعله‬           ‫منافس لمدرسة دار العلوم‪ ،‬ولكن‬
       ‫لهؤلاء الزملاء وإصرارهم‬         ‫يلقي الضوء على حالة التراجع‬        ‫كلية الآداب لم تكن مناف ًسا حقيقيًّا‬
                                          ‫الثقافي الذي نحن فيه‪ .‬ولعل‬      ‫في البداية لأنها كانت جامعة أهلية‬
  ‫وعزيمتهم‪ ،‬وكما سبق القول في‬           ‫هذا التنوع في المحتوى العلمي‬
    ‫السؤال الأول فإن التواجد في‬          ‫والتوسع والجرأة في تدريس‬             ‫لا تعترف بها وزارة المعارف‬
                                     ‫مقررات لم تكن مما يتم تدريسه‬           ‫العمومية وقتها‪ ،‬وبالتالي لا يتم‬
 ‫الساحة مقدرة تحتاج إلى دراسة‬            ‫هو الذي أكسب «دار العلوم»‬
  ‫سلوكية نفسية‪ ،‬أظنها لم تحدث‬           ‫هذه السمعة الحسنة على مدى‬             ‫تعيين متخرجيها في الوزارة‪،‬‬
                                         ‫تاريخها‪ ،‬وبالتأكيد فإن هذه‬        ‫وهو ما لم يحدث بعد أن تنازلت‬
                     ‫حتى الآن‪.‬‬         ‫السمعة لم يساهم فيها أبناؤها‬
   ‫أما ما يحمله الجزء الأخير من‬         ‫المعاصرون‪ ،‬وربما كانوا عبئًا‬           ‫إدارة جامعة القاهرة لوزارة‬
                                                                           ‫المعارف عن الجامعة سنة ‪،1923‬‬
     ‫إشارة إلى تراجع نقاد كليتي‬                               ‫عليها‪.‬‬
      ‫الآداب من جامعتي القاهرة‬              ‫وبالعودة إلى سؤالك الذي‬             ‫وكما جاء في فقرة استهلال‬
  ‫وعين شمس‪ ،‬فهو سؤال جدير‬             ‫يشير إلى (أن كثيرين من النقاد‬        ‫(محضر تسليم الجامعة المصرية‬
 ‫بالإجابة‪ ،‬لأنه يشير –ضمنًا‪ -‬إلى‬      ‫البارزين في هذه الفترة تخرجوا‬
  ‫تراجع النقد الحقيقي في مصر‪،‬‬         ‫من كلية دار العلوم‪ ،‬التي تتهمها‬         ‫إلى وزارة المعارف العمومية)‬
     ‫ليس في هاتين الكليتين فقط‪،‬‬         ‫الأوساط الأكاديمية والثقافية‬        ‫[هذا هو عنوان المحضر] جاء في‬
   ‫بل في كل كليات مصر والعالم‬             ‫بأنها رجعية) دعني أتوقف‬           ‫ديباجة الاستهلال بالنص‪ :‬نظ ًرا‬
    ‫العربي‪ .‬وأحيل القارئ إلى ما‬        ‫أو ًل عند هذا الجزء من السؤال‬
‫سيرد في إجابة السؤال السادس‪.‬‬            ‫الطويل‪ ،‬وهو يتعلق بالصورة‬             ‫إلى أن الجامعة المصرية طلبت‬
                                      ‫النمطية الذهنية التي تم رسمها‬          ‫إلى وزارة المعارف العمومية أن‬
‫كيف تنظر إلى الجهد الذي‬                   ‫لخريج دار العلوم في العقل‬       ‫تعتبر شهادتها كشهادات المدارس‬
 ‫قام به النقاد من الأجيال‬             ‫المصري‪ ،‬وهي صورة «الرجعي‪،‬‬
  ‫المؤسسة‪ :‬جابر عصفور‬                ‫المحافظ‪ ،‬المنغلق‪ ،‬المتعلق بالتراث»‪،‬‬        ‫العالية التي تخول التوظف‬
‫ومصطفى ناصف وشكري‬                    ‫وهي صورة شائعة وطالما عانيت‬              ‫في الحكومة‪ ،‬فأجابت الوزارة‬
‫عياد وعبد العزيز حمودة‬                 ‫منها شخصيًّا‪ ،‬خصو ًصا وأني‬            ‫بما يلي‪« :‬ليس في وسع وزارة‬
 ‫وغالي شكري‪ ..‬وغيرهم؟‬                ‫من الذين اهتموا بقضايا الحداثة‬            ‫المعارف الاعتراف بالشهادة‬
                                          ‫والشعر الحر وقصيد النثر‪،‬‬          ‫التي تمنحها الجامعة لمتخرجيها‬
     ‫وهل تعتقد أن جيلك‬                                                      ‫بالكيفية المرغوبة مادامت بعيدة‬
 ‫النقدي امتداد لهم أم تأثر‬                                                ‫عن الإشراف على الدراسة فيها‪»..‬‬

  ‫بالنقد الغربي مباشرة؟‬                                                                              ‫إلخ‪.‬‬
                                                                                 ‫وعندما انتقلت الجامعة إلى‬
                                                                              ‫وزارة المعارف ‪ 1923‬تدخلت‬
                                                                             ‫في المقررات والمناهج‪( ،‬وضمت‬
                                                                             ‫إليها مدرستي الحقوق والطب‬
                                                                           ‫بعد تحويلهما إلى كليتين‪ ،‬وإنشاء‬
   199   200   201   202   203   204   205   206   207   208   209