Page 201 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 201

‫‪199‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫حوار‬

   ‫أصبحت «أستا ًذا» في مؤسسة‬                    ‫حاوره ‪:‬‬                                       ‫فهم ذلك؟‬
   ‫أكاديمية‪ ،‬ويتعامل معك الناس‬
 ‫بهذا الاعتبار‪ ،‬فتشعر بشيء من‬             ‫سمير درويش‬                           ‫هذا سؤال مهم ويحتاج إلى تأمل‬
‫التحقق‪ ،‬وبرغم أنه شعور وهمي‪،‬‬                                                       ‫المنتج الجامعي قبل الشروع‬
    ‫إلا أنه وراء الكثير من حالات‬            ‫غير متفرغين لها‪ ،‬ولديهم‬
   ‫الكسل العقلي التي يخضع لها‬             ‫أسباب اجتماعية مقنعة ج ًّدا‬            ‫في الإجابة عليه‪ .‬دعني أتساءل‬
    ‫أغلب العاملين في الجامعة‪ ،‬إذ‬      ‫لجعل الاهتمام بالدراسات العليا‬                 ‫معك عن «المنتج الجامعي»‬
  ‫ينصرفون عن الكتابة والتأليف‬             ‫في مرتبة متراجعة من سلم‬
    ‫بعد حصولهم على الدكتوراه‪،‬‬                                                  ‫وقيمته المعرفية الحقيقية‪ ،‬والدور‬
  ‫وحتى لو كتب فإنه يكتب القدر‬                             ‫أولوياتهم‪.‬‬            ‫الجامعي بين النظرية والتطبيق‪،‬‬
‫المحدود من الدراسات التي تؤهله‬           ‫هنا‪ ،‬سيكون إطلاق مصطلح‬
‫للحصول على لقب أستاذ‪ ،‬وبعدها‬              ‫«ناقد» مصحو ًبا بالكثير من‬                ‫حتى نصل إلى تصور عقلي‬
‫يتوقف لأنه لا يجد داف ًعا للكتابة‪،‬‬     ‫التوسع في دلالة لفظ ناقد‪ ،‬وإن‬              ‫حقيقي من خلاله يمكن تأمل‬
 ‫بعد هذا التحقق الذي انتشى به‪.‬‬       ‫أردنا الدقة سنفرق بين من يكتب‬
  ‫من البداية وأنا أحاول التملص‬        ‫في النقد والناقد‪ ،‬وبارتياح يمكن‬                           ‫سؤالك الجيد‪.‬‬
 ‫من الحديث عن الوسط الذي يتم‬           ‫أن نقول لدينا الكثير من « َك َت َب ِة‬         ‫على مستوى الطالب خريج‬
‫فيه كل ذلك‪ ،‬وهو الجامعة‪ ،‬ولكن‬            ‫النقد» ولدينا ندرة حقيقية في‬            ‫الجامعة‪ :‬هل تقدم الجامعة إلى‬
                                                                                  ‫المجتمع «مثق ًفا»؟ هل خريجو‬
       ‫يبدو أنه لا مفر من ذكره‪.‬‬                             ‫«الناقد»‪.‬‬         ‫الجامعات يمكن اعتبارهم مثقفين؟‬
    ‫يتبادر إلى الذهن إذا تأملنا في‬       ‫لعلك في سؤالك هذا تشير إلى‬              ‫ما الذي يجده الطالب الجامعي‬
     ‫مفهوم «الجامعة» أن نتخيل‬          ‫«التواجد» في «الساحة الثقافية»‬         ‫من المعلومات وطرق التفكير حتى‬
                                     ‫وكثرة المتواجدين ممن يكتبون في‬
        ‫فضا ًء علميًّا عقليًّا يسمح‬   ‫النقد من غير العاملين بالجامعة‬                   ‫ينتقل إلى مرتبة المثقف؟‬
      ‫بالتفكير الحر والرؤية غير‬          ‫قيا ًسا إلى العاملين بالجامعة‪،‬‬           ‫بكل أسف فالجامعة لا يعنيها‬
  ‫المقيدة‪ ،‬وإعادة مساءلة الأفكار‪،‬‬      ‫وهذا سؤال –وفق هذ التحليل–‬              ‫هذا الدور‪ ،‬إنها لا تزيد في أحسن‬
  ‫ونشر خلاصة هذه الممارسات‬                                                      ‫حالاتها عن مؤسسة تعليمية أو‬
 ‫وتقديمها إلى المجتمع مما يساعد‬            ‫يحتاج إلى دراسة اجتماعية‬           ‫مؤسسة حكومية تمارس التعليم‪،‬‬
       ‫على تطوير المجتمع ونشر‬           ‫سلوكية تكشف عن مقتضيات‬                   ‫مثل المدارس الثانوية بالضبط‪،‬‬
   ‫قيم العدالة والحرية والقانون‬          ‫التواجد في «الساحة» الثقافية‬         ‫فالمحتوى وطريقة تقديمه وأماكن‬
      ‫إلى آخر هذا الطرح النظري‬        ‫وطرائقه‪ ،‬وهو موضوع يستحق‬                ‫التدريس والأعداد وفلسفة التعليم‬
    ‫الجميل‪ .‬ولكن الحقيقة عكس‬                                                   ‫الجامعي نفسها لا تسمح بإنتاج‬
     ‫ذلك التصور النظري تما ًما‪،‬‬                              ‫البحث‪.‬‬             ‫خريج مثقف‪ ،‬وإذا رغب الطالب‬
  ‫فأنت في الجامعة محكوم ببنية‬            ‫في هذه الحال لا فرق بين أن‬            ‫الجامعي في أن يكون مثق ًفا فهذه‬
    ‫استبدادية غير معلنة‪ ،‬ورقابة‬        ‫يكونوا من العاملين في الجامعة‬             ‫مهمته وهذا دوره الذي يبحث‬
      ‫غير ملحوظة‪ ،‬وموضوعات‬            ‫او العاملين خارجها لأن «المنتج»‬         ‫عنه‪ ،‬ولن تمنعه الجامعة من تأكيد‬
   ‫البحث العلمي تخضع للتدقيق‬            ‫الذي نحصل عليه ليس «نق ًدا»‬
    ‫السياسي‪ ،‬وسيبدو القائمون‬            ‫بالمعنى التقني لكلمة نقد‪ ،‬لكنه‬              ‫ذاته ولن تساعده على ذلك‪.‬‬
 ‫بهذا الأمر ملكيين أكثر من الملك‪،‬‬                                                   ‫في مرحلة الدراسات العليا‪:‬‬
    ‫ويستبعدون من نطاق البحث‬                 ‫«كتابة»‪ ،‬وشتان بين النقد‬          ‫حاملو الدرجات العليا (دبلومات–‬
 ‫أي دراسة ربما تحمل في داخلها‬                              ‫والكتابة‪.‬‬          ‫ماجستير– دكتوراه) هم من نفس‬
     ‫أي سؤال افتراضي قد يقلق‬                                                       ‫خريجي الجامعة‪ ،‬ويلتحقون‬
                                       ‫أضف إلى ذلك هذا الوهم اللذيذ‬              ‫ببرامج دراسية لا تفترق كثي ًرا‬
                                        ‫الذي تمنحه الجامعة للعاملين‬            ‫عن نفس البرامج المتواضعة التي‬
                                                                                   ‫تلقوها في مرحلة الليسانس‪،‬‬
                                           ‫فيها‪ ،‬وهو إحساس يعطيك‬                 ‫ومعظم طلاب الدراسات العليا‬
                                         ‫شعو ًرا وهميًّا بالتحقق وأنك‬
   196   197   198   199   200   201   202   203   204   205   206