Page 216 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 216

‫وشعر عمر كما هو معروف‬           ‫لو عدنا إلى التراث العربي الإسلامي لوقفنا‬
 ‫شعر لا يتناغم دائ ًما مع القيم‬           ‫على أن القدماء كانوا متصالحين مع‬

   ‫الإسلامية من حيث اعتماده‬        ‫ذواتهم في فهمهم وتعاطيهم لتنصيص‬
‫على حيثيات وملابسات العملية‬            ‫هذه الإشكالية‪ ،‬حتى على مستوى كبار‬

    ‫الجنسية‪ ،‬وإن كان الجنس‬         ‫الفقهاء الذين خاضوا في دقائق متعلقات‬
‫تلمي ًحا فيه لا تصري ًحا كما هو‬             ‫العلاقة الجنسية كما فعل الشيخ‬

   ‫عليه شعر أبي نواس نواس‬             ‫النفزاوي في الكثير من منتجه الفقهي‬
 ‫مث ًل‪ ،‬وما هذا إلا تأكيد على أن‬     ‫والاجتماعي بد ًءا من كتابه المعروف في‬
                                     ‫هذا المجال (صيد الخاطر) وليس انتهاء‬
   ‫الشاعر العربي كان صري ًحا‬
      ‫مع نفسه في الحديث عن‬                             ‫بكتابه (عرائس الأيك‪)..‬‬

   ‫الجنس‪ ،‬والخوض في دقائق‬             ‫مع طبيعة المجتمع الذي بدأ‬                       ‫الزمن واحداثه‪:‬‬
   ‫حيثياته‪ ،‬إذ لم يرد في تاريخ‬       ‫مع العصر الإسلامي يخضع‬
‫الأدب القديم أن شاع ًرا أو أديبًا‬                                  ‫ما اطيب العيش لو أن الفتى‬
‫خاض في دقائق الجنس في أدبه‬              ‫لضوابط دينية واجتماعية‬
  ‫ثم ترتب على ذلك أن حوسب‬             ‫جديدة‪ ،‬وهي محاذير تظهر‬                          ‫حجر‬
                                   ‫على صعيد الممارسة الاجتماعية‬
     ‫على ذلك أو أوذي بسببه‪،‬‬         ‫قصد ضبط الممارسة الجنسية‬       ‫ٍووهوخلمولدم‪،‬و ُم‬  ‫تنبو الحوادث عنه‬
 ‫وإنما كانت أقوى ردات الفعل‬            ‫في حدود الدين والأعراف‪،‬‬                        ‫فالحجر إذن تسام‬
‫تجاهه أن يقال عنه إنه متهتك‪،‬‬          ‫وصحيح أن المجتمع العربي‬
                                                                   ‫وتجاوز لحقيقة الموت والألم‬
     ‫لذا وجدنا ظواهر شعرية‬              ‫ومنذ الجاهلية كان يحيط‬     ‫اللذي ِن يؤرقان الإنسان في‬
 ‫كسرت التابو في مجتمع يمكن‬             ‫المعجم الجنسي والممارسة‬
  ‫على وجه العموم وصفه بأنه‬             ‫الجنسية على العموم بنوع‬     ‫رحلته في الحياة‪ .‬ومن هذه‬
                                    ‫من التعتيم على مستوى الفعل‬
     ‫مجتمع محافظ إلى حد ما‪،‬‬        ‫والمحكي اليومي‪ ،‬إلا أننا نلاحظ‬  ‫الزاوية يمكننا أن ندلف‬
   ‫فامرؤ القيس وعمر بن أبي‬            ‫أن هذا المجتمع نفسه يتقبل‬
‫ربيعة وأبو نواس قدي ًما ونزار‬         ‫الجنس بوصفه غر ًضا أدبيًّا‬   ‫ألى الحديث عن الفن في‬
 ‫قباني ويوسف إدريس حديثًا‬             ‫إلى حد ما‪ ،‬وهذا ما انسحب‬     ‫تعاطيه للجنس و ِر ّدة فعل‬
   ‫على سبيل الأمثلة يشتركون‬           ‫حتى على العصر الإسلامي‬       ‫المجتمع العربي تجاه هذا‬
‫في كونهم شعراء وأدباء عزفوا‬          ‫الذي نجد فيه حبر الأمة عبد‬
                                   ‫الله بن مسعود يجالس عمر بن‬      ‫الفن‪ ،‬فالمجتمع الذي ورث‬
      ‫على وتر الجنس‪ ،‬لكننا لا‬        ‫ابي ربيعة ليسمع الشعر منه‬
 ‫نزال نقرأهم دون اي حفيظة‪،‬‬                                         ‫ميثولوجيا حافلة بتقديس‬

    ‫لقناعتنا أن الجنس بوصفه‬                                        ‫الجنس وعبادة ممارسيه من‬
   ‫فنًّا هو غير الجنس بوصفه‬
    ‫ظاهرة اجتماعية‪ ،‬وإن كان‬                                        ‫الطبيعي أن يأتي فنه القولي‬
 ‫الأول صدى للثاني ونتا ًجا له‪،‬‬                                     ‫فنًّا متصال ًحا مع ظاهرة‬
                                                                   ‫(تنصيص الجنس) وإن أحاط‬
                 ‫ومؤث ًرا فيه‪.‬‬
   ‫ولو عدنا إلى التراث العربي‬                                      ‫هذه الظاهرة ظاه ًرا بمحاذير‬
                                                                     ‫وضوابط (تابوية) تتناغم‬
      ‫الإسلامي لوقفنا على أن‬
  ‫القدماء كانوا متصالحين مع‬
   211   212   213   214   215   216   217   218   219   220   221