Page 71 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 71
69 إبداع ومبدعون
قصــة
شيرين حسن يوسف
الحياة الثانية لجثتي
ما غرف الإعدام المخيفة ،بدأت أرى جي ًدا في الظلام، حين كنت الشجرة الوحيدة في غابة العائلة ،أدركت
إلى أن اقترب الطبيب بالمشرط ليخلع كلتا العينين تما ًما أنني ذات يوم سأكون الكرسي الوحيد لهم
ويسلمهما إلى قريب لي كان يعاني انعدام الرؤية أي ًضا ،يجلسون خيباتهم فوق خلاياي ،يسترقون
الليلية فخرج منتشيًا ،سمعت شجا ًرا هام ًسا على السمع إلى صرير الألم بين المسامير المعقودة حول
كلا ذراع َّي ما بين نساء العائلة.. سيقاني..
قالت إحداهن :أريد ذراعها اليمنى كي أكتب كما في مواسم المطر يجيدون زرع المظلات فوق
كانت تكتب.. ظهري ،كي أحتفظ بتمام اليباس ،وأهيئ لموسم
الربيع ونزهاتهم الطويلة ورحلاتهم الصيفية ،في
ردت أخرى :بل أريد الاثنتين لأعزف البيانو مثلها.
لا أدرى من انتصرت في النهايه فأنا الآن فقدت مناسباتهم السعيدة يجيدون تكفيني بالرداء المخملي
كلتا الذراعين.. وبعض الورود المجففه ،ينثرون العطور من أجل
ارتفع صوت الطبيب :هنا ثمة رحم خا ٍل ..من
يريده؟ إرضاء الضيوف والزوار المحتملين ،الذين سرعان
ما يألفون المشهد ويتصرفون بمنتهي الأريحية
فتعالت الأصوات النسائية من جديد :لا نريده فهو معي ،يطيلون البقاء ويخطبون الود ويجزلون
عقيم.
العطاء ،وما إن ترتعد أرجلك تحت أحمالهم؛ يعلنون
موتك الإكلينيكي ويبدؤون في إعادة استغلالك
كمساند لكسورهم ،علي موتك أن يكون صدي ًقا
للبيئة ،ليجيدوا إعادة تدوير جثتك.
أنا شاسعة بالقدر الكافي لكل تلك الخراطيم الطبية
المسننة ،المعقودة بالأجهزة المعقدة ذات الرنين غير
المنتظم ،شاسعة لكل تلك الأحلام بحياة أفضل
للواقفين خارج غرفة العمليات ،للأطباء ذوى
المشارط الحادة المنتظرين القرار الأخير
بفصل كل تلك الأجهزة والبدء في قصاص
الرحيل ،شعرت بتكبيل يد َّي خلف ظهري،
رغم أنني كنت نائمة فوق السرير ،ثمة
سلاسل تقيد قدم َّي بعنف ،هناك من كان
يعد الأرقام من 1إلى 10بشكل تنازلي وهي
الطريقة التي تثير المزيد من التوتر لد َّي،
انفتح شيء ما ثم سمعت ما يشبه صرير
باب ثقيل ،سقطت في الظلام بأسفل
الغرفة وهو مكان يشبه إلى حد