Page 74 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 74

‫العـدد ‪29‬‬  ‫‪72‬‬

                                                   ‫مايو ‪٢٠٢1‬‬

‫محمد بركة‬

‫صفعة أمي‬

     ‫جمال عبد الناصر ورفاقه‪ .‬سيدخلون إلى غرفة‬             ‫لو كانت العمة جهينة قطعت قول كل خطيب‬
  ‫مغلقة لا ُتفتح إلا في حالات الطوارئ‪ .‬باب خشبي‬    ‫بالبلاغة‪ ،‬فأمي وصلت لنفس النتيجة ولكن بصفعة‬
   ‫جرار مقسوم إلى نصفين‪ .‬قاعة مستطيلة ومقاعد‬
  ‫مذهبة من النوع الذي ترونه في القصور الرئاسية‬        ‫واحدة د ّوت على خدي الأيمن‪ .‬لم تؤلمني الصفعة‬
                                                      ‫نفسها‪ ،‬فقد اعتدنا منها أنا وأخوتي على صفعات‬
     ‫يتصدر نشرة الأخبار‪ .‬قدومهم لا يعني أب ًدا أن‬  ‫كثيرة في مناسبات متفرقة‪ ،‬ولكني هذه المرة شعرت‬
    ‫الأمور مع أمي خرجت عن السيطرة‪ .‬يعني فقط‬
  ‫أن ثمة حدث جلل وقد عالجته هي بمنتهى الحسم‬                    ‫بطعنة تستهدف أعز ما أملك‪ :‬رجولتي‪.‬‬
‫وتحتاج فقط إلى المجلس ليصدق عليه‪ .‬إنها هنا تشبه‬           ‫انحنى رأسي وثقلت رقبتي وشعرت بدمعة‬
    ‫بالضبط الرئيس الأمريكي حين تعرض أسطول‬            ‫عنيدة تصر على الإعلان عن نفسها رغم مقاومتي‬
     ‫بلاده الراسي في بيرل هاربور لضربة ساحقة‬
    ‫من اليابانيين فذهب إلى الكونجرس ليحصل على‬                                             ‫الشرسة‪.‬‬
                                                                              ‫‪ -‬اثبت يا بشمهندس!‬
                                ‫تفويض بالحرب‪.‬‬         ‫صرخت ف ّي أمي فاستعدت وقفتي العسكرية مرة‬
  ‫‪ -‬يا عم اشتر دماغك وسيبها تشوف نصيبها مع‬
                                                                                            ‫أخرى‪.‬‬
                                         ‫غيرك؟‬                    ‫‪ -‬مالك! سنبكي الآن مثل النسوان؟‬
   ‫لا أعرف بماذا أجيب «أصلان»‪ .‬يحذرني مسب ًقا‪.‬‬
                                                                                  ‫‪ -‬تمام حضرتك‪.‬‬
                     ‫يلقيها في وجهي بلا مقدمات‪:‬‬      ‫‪ -‬والله أنا أعرف أني خلّفت رج ًل‪ ..‬لو معلوماتي‬

                                                                                        ‫غلط قل لي!‬
                                                      ‫معلوماتك صحيحة يا أمي تما ًما‪ ،‬ولهذا بالضبط‬
                                                      ‫عشقت‪ .‬أصبحت الدنيا تفاحة شهية أود قضمها‪،‬‬
                                                    ‫وعرفت الألوان طريقها لحياتي بعد أن كانت أسود‬
                                                       ‫وأبيض‪ .‬شجرة غرام صغيرة أنبتناها في النور‪،‬‬
                                                     ‫تحت سمع وبصر الزملاء والمعيدين والدكاترة في‬
                                                      ‫الجامعة‪ .‬إذا كان هذا ذنبي فأعترف به‪ .‬إذا كانت‬

                                                                   ‫المشاعر خطيئتي‪ ،‬فأنا قط ًعا مدان‪.‬‬
                                                   ‫‪ -‬الموضوع كبير‪ ..‬هناك اتصالات على أعلى مستوى‬

                                                                             ‫لانعقاد مجلس الحرب!‬
                                                       ‫يهمس «أصلان» بأذني‪ .‬أخي الأكبر الذي تعمل‬
                                                       ‫الكيمياء بيننا بكفاءة رغم أني آخر العنقود وهو‬

                                                                                     ‫أوله‪ .‬يحذرني‪:‬‬
                                                      ‫سيأتي أخوالي بقاماتهم الفارعة وشواربهم التي‬
                                                   ‫يقف عليها الصقر محملين بسخطهم التاريخي علينا‬
                                                    ‫وكأننا نحن الجيل الجديد الذين انتزعنا من آباءهم‬

                                                        ‫وأجدادهم ألقاب «الباشوية» و»البكوية» وليس‬
   69   70   71   72   73   74   75   76   77   78   79