Page 106 - b
P. 106

‫من بين يدي الله أو من (جبريل) ومحمد‪ ،‬بينما الله هو الذي يرسله‪،‬‬
‫و(جبريل) هو الذي ينقله لمحمد‪ ،‬ومحمد هو الذي يتلقاه ويبلغه‬

                                    ‫لأمته‪ ،‬وهو الصادق الأمين؟‬
‫إن قرأنا في الصفحة نفسها والفقرة نفسها سنكتشف أن هذا‬
‫التفسير الشائع ليس وحي ًدا أي ًضا‪ ،‬يقول‪« :‬أي لا يكذبه شيء مما‬
‫أنزل الله من قبل‪ ،‬ولا ينزل من بعده يبطله وينسخه‪ -‬حسب الكلبي»‪،‬‬
‫بمعنى أن ما ورد في القرآن يتطابق مع ما ورد في الكتب المقدسة التي‬
‫سبقته‪ ،‬التوراة والإنجيل‪ ،‬ولن يتنزل من بعده ما يكذب ما جاء به‪.‬‬
‫بينما السدي وقتادة قالا إن (الباطل) هو الشيطان الذي لن يستطيع‬

                                   ‫أن يغير بالإضافة أو الحذف‪.‬‬
‫هذه التفسيرات التي وردت في كتاب واحد وفي صفحة واحدة لا‬
‫تقطع بأن (لا يأتيه الباطل) تعني أن الله ضمن ألا يتح َّرف القرآن‪ ،‬على‬
‫عكس كل القائلين بذلك باطمئنان‪ ،‬فهم يأخذون رواية واحدة من بين‬
‫عدة روايات ويطمئنون إليها دون دليل أو سند يبرر التفضيل‪ ،‬وهو‬
‫اطمئنان عاطفي وليس علميًّا‪ ،‬وإن أضفنا إلى كل ذلك أن المفسرين‬
‫قالوا إنهم يكتبون كل ما يسمعونه ‪-‬في زمانهم‪ -‬دون تمحيص أو‬
‫ترجيح‪ ،‬سنعرف أن كتب التفسير ليست محكمة يؤخذ عنها‪ ،‬فهي‬

                                      ‫تأتي بالمعنى وعكسه م ًعا‪.‬‬
‫كما أن هذا القطع ‪-‬إن وجد‪ -‬يستلزم منطقيًّا وعقليًّا أن يكون‬
‫بين أيدي الأوائل (كتاب) نهائي متفق عليه لا لبس فيه ولا اختلاف‬
‫حوله‪ ،‬كتاب وضعه الله بذاته يعني أنه مغل ٌق لا مجال للتدخل فيه‪،‬‬
‫فهل هذا توفر؟ هذه الكتابة تعني بالبحث في هذا السؤال‪ ،‬من داخل‬
‫السردية الإسلامية نفسها‪ ،‬لا من كتب المستشرقين ولا من كتابات‬
‫غير المؤمنين بها‪ ،‬إنطلا ًقا من قاعدة عقلية ترى أن كتا ًبا كتبه الله‪،‬‬
‫واصطفى لحمله وتبليغه خير خلقه‪ ،‬من المفترض أن يكون مغل ًقا لا‬
‫لبس فيه‪ ،‬ولا مجال للمراوحة في صحة نصوصه‪ ،‬وسوف أق ِّسم‬

                            ‫‪106‬‬
   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111