Page 107 - b
P. 107

‫الحديث عن هذا الموضوع على فصلين‪ :‬الأول ‪-‬هنا‪ -‬يدور عن ما‬
‫أثير من جدل حول بعض الآيات‪ ،‬والثاني ‪-‬القادم‪ -‬عن «الناسخ‬
‫والمنسوخ»‪ ،‬وقصة جمع القرآن مرتين‪ :‬في عهد أبي بكر الصديق ثم‬
‫في عهد عثمان بن عفان‪ .‬مع تأكيد على أنني لا أقول رأ ًيا من عندي‪،‬‬

                            ‫بل أعرض آراء واجتهادات الأقدمين‪.‬‬

            ‫إحكام القرآن في حياة النبي‬
‫في حديث متفق عليه ورد في البخاري ومسلم وغيرهما‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس قال‪ :‬كان رسول الله (ص) أجود الناس بالخير‪ ،‬وكان أجود‬
‫ما يكون في شهر رمضان إن (جبريل) عليه السلام كان يلقاه‪ ،‬في‬
‫كل سنة‪ ،‬في رمضان حتى ينسلخ‪ ،‬فيعرض عليه رسول الله (ص)‬
‫القرآن‪ ،‬فإذا لقيه (جبريل) كان رسول الله (ص) أجود بالخير من‬
‫الريح المرسلة»‪ .‬هذا الحديث ‪-‬إن صح‪ ،‬وقد صححه الألباني‪ -‬يقول‬
‫إن (جبريل) كان يأتي النبي كل سنة في رمضان‪ ،‬كل ليلة طوال‬
‫الشهر حتى ينتهي (ينسلخ)‪ ،‬فيعرض عليه النبي القرآن‪ ،‬ما ُيف َهم‬
‫منه أن ثمة (جس ًدا) يتم (عرضه)‪ ،‬مكتو ًبا في رقاع أو نحوه‪ ،‬أو قد‬
‫يكون محفو ًظا في صدريهما‪ ،‬وهو الاحتمال الأضعف من فهم معنى‬
‫كلمة ( َع َر َض) التي تعني‪َ “ :‬أ ْب َر َز شيئًا لل ِعيان و َب َسطه أمام الأ ْنظار”‪.‬‬
‫غير أن العقل يقول‪ ،‬إن ُكنَّا بإزاء كتاب كتبه الله وأنزله دستو ًرا‬
‫للعالمين‪ ،‬أن ُتحف َظ نسخة منه عند النبي‪ ،‬فالنبي كان أميًّا يملي على‬
‫الكتبة الذين من المفترض أنهم يكتبون له لا لأنفسهم‪ ،‬فيتركون ما‬
‫كتبوه عنده‪ ،‬وإن احتفظوا بنسخ منه عندهم‪ ،‬وهذا الذي يتركونه‬
‫هو ما (يعرضه) النبي على (جبريل)‪ .‬فهل كان يحدث هذا؟ باقي‬

                                ‫الأحاديث النبوية تقول غير ذلك‪.‬‬
‫ففي صحيح البخاري‪ ،‬باب الشهادات‪ ،‬حديث رقم (‪،)2512‬‬
‫ونصه‪ :‬حدثنا محمد بن عبيد بن ميمون‪ ،‬أخبرنا عيسى بن يونس‪،‬‬

                             ‫‪107‬‬
   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112