Page 54 - b
P. 54
البشرية الأخرى ،في الأغلب ،منذ ما يقرب من خمسين ألف سنة.
ونتيجة الأبحاث التي أجريت على إنسان النياندرتال بينت أن ثمة
«أدلة على أنهم كانوا يعتنون بمرضاهم وكبار السن .فقد كشفت
أعمال التنقيب في كهف «شانيدار» في العراق عن تسعة هياكل
عظمية ،جميعها مدفونة بتأ ٍّن وحرص ،أحدها لرجل مسن نصف
أعمى بذراع مكسور ،مما يشير إلى أن الطريقة الوحيدة التي كان
يمكن أن ينجو بها هي اعتناء الأصدقاء والعائلة به بمودة وحب .كان
لدى النياندرتال أي ًضا تقدير للرمزية ،كما كشفت عن ذلك المجوهرات
المصنوعة من مخالب النسر الموجودة في كهف «كاربينا» في كرواتيا
والتي يرجع تاريخها إلى حوالي 130ألف سنة ،ودوائر حجرية بنيت
في عمق كهف «برونيكيل» في فرنسا ،ويعود تاريخها إلى حوالي 180
ألف سنة مضت».
تقول الأبحاث إن البشر العصريين وإنسان النياندرتال التقوا،
ليس «في أوروبا فحسب ،بل من شبه المؤكد في الشرق الأدنى أي ًضا.
قبل حوالي سبعين ألف سنة .كانت لقاءات قوية وناجحة حتى
جبال ألتاي ،والشرق الأدنى .كان الشرق الأدنى يسكنه بالفعل
البشر العصريين ،كما يشهد على ذلك البقايا التي ُعث َر عليها في
كهف «سخول» على قمة جبل الكرمل في فلسطين وكهف قفزة في
الجليل السفلي والتي يرجع تاريخها إلى ما بين حوالي 130.000إلى
100.000سنة مضت.
بالطبع لا يمكن تلخيص هذه الدراسات في هذه العجالة ،كما
أنه ليس هدف هذه الكتابة ،وإنما الهدف هو الإشارة إلى أن العلم
يحاول منذ قرن ونصف قرن تقريبًا ،أي من قبل داروين ،أن يصل
إلى أصل الإنسان العصري ،متى ُو ِجد وأين وكيف ،وهل ولد على
صورته تلك ،كما تقول السرديات الدينية ،أم أنه تط ُّو ٌر لكائنات كانت
موجودة قبله ،بفعل التلاقح والتبادل الجيني الذي يح ِّسن السلالات؟
54