Page 58 - b
P. 58
بل يزيد الأمر إلى حد تغليب رأي عمر في بعض الأمور على رأي
النبي ،فينزل القرآن مؤي ًدا رأيه ،ففي صحيح البخاري عن عمر بن
الخطاب أن القرآن وافقه في موضوع الحجاب« :قلت :يا رسول الله،
لو أمرت نساءك أن يحتجبن ،فإنه يكلمهن البِ ُّر والفاجر ،فنزلت آية
الحجاب» ،وفي اتخاذ مقام ابراهيم مكا ًنا للصلاة« :قلت يا رسول
الله ،لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ،فنزلت( :واتخذوا من مقام
إبراهيم مصلى)» ،وكان النبي لا يرى بأ ًسا في الصلاة على المنافقين
ويعارضه عمر ،فنزل الوحي مؤي ًدا رأي عمر« :ولا تص ِّل على أحد
منهم مات أب ًدا ولا تقم على قبره» (التوبة ،)84 :وفي موضوع أسرى
بدر «ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض» ،إلى
قوله« :لمسكم فيما أخذتم».
هذا يعني أن النبي -محمد هنا على سبيل المثال -لم يكن الوحيد
الذي يصلح لحمل الرسالة ،فلماذا اختاره الله دون غيره؟ بالطبع لا
توجد إجابة لأننا -كبشر -لا ندخل في علم الله ونعرف لماذا فضل
من فضله ،لكن ما نعرفه أن الأنبياء أنفسهم هم الذين قالوا إن الله
اختارهم ،دون غيرهم ممن يصلحون ،ودون شاهد واحد على ما
قالوه ،وهذا ما يجعل السؤال منطقيًّا ،بل وضرور ًّيا :من أخبرهم
بهذا الاختيار؟ وكيف؟ نحن نتحدث هنا عن الأنبياء الإبراهيميين
دون غيرهم ،لأن (غيرهم) لهم سرديات أخرى ترتبط بآلهة أخرين
غير الله الذي نعبده ،وهم يشكلون حوالي %50من عدد سكان
الأرض الذين يصلون إلى ( )8مليار نسمة.
سأحاول أن أستجلي هذا الأمر من داخل النصوص المقدسة
نفسها :العهدين القديم والجديد ،والقرآن والسنة المنسوبة إلى النبي
(ص) ،ومناقشة منطقيتها ،وبيان التعارض إن وجد ،خاصة أنهم
-كما سبق وأوضحت -لم يتركوا أث ًرا واح ًدا يدل على وجودهم،
أو نقو ًشا تحتوي تعليماتهم ،بالرغم من أن موسى كان مصر ًّيا
58