Page 74 - b
P. 74

‫في «الشخصية المحمدية»‪« :‬أن محم ًدا بقي مدة من الزمن مديدة لا‬
‫يعلم ما هو هذا الرئي الذي يراه أهو ملك أم شيطان‪ ،‬حتى لقد ظنَّ ُه‬
‫تاب ًعا من الجن كالتابع الذي يكون لل ُك َّهان‪ ،‬فقال لخديجة لقد خشيت‬
‫أن أكون كاهنًا‪ ،‬ولكنه صار أخي ًرا يعتقد أن ما يراه مل ًكا لا شيطا ًنا‪،‬‬
‫ثم صار بعد هذا الاعتقاد يسميه إسرافيل‪ ،‬وأخي ًرا صار يسميه‬
‫(جبريل)‪ ،‬والفضل في حصول هذا الاعتقاد لمحمد يرجع لخديجة‬

                             ‫فإنها هي التي ثبتته وأزالت خوفه»‪.‬‬
‫نحن إذن أمام رجل حنيفي على دين إبراهيم‪ ،‬ويرى أشياء لا‬
‫يعرف كنهها‪ ،‬تزوج امرأة غنية وقوية في قومها وتكبره بخمسة‬
‫عشر عا ًما هي خديجة بنت خويلد‪ ،‬استطاعت أن تقنعه بأن ما يراه‬
‫مل ًكا وليس جنًّا أو شيطا ًنا‪ ،‬ثم حدث أنه كان يعتكف بغار حراء في‬
‫رمضان كعادة الحنيفيين‪ ،‬ومنهم جده عبد المطلب‪ ،‬فجاءه ما يجيء‬
‫له عادة‪ ،‬وألقى عليه كلمات أصبحت الآيات الخمس الأولى من سورة‬
‫العلق «اقرأ باسم ربك الذي خلق‪ ،‬خلق الإنسان من عل ٍق‪ ،‬اقرأ وربك‬
‫الأكرم‪ ،‬الذي علم بالقلم‪ ،‬علم الإنسان ما لم يعلم»‪ ،‬ثم ذهب ولم‬
‫يعرف من هو‪ ،‬وعندما حكى لخديجة انطلقت به إلى ورقة بن نوفل‪،‬‬
‫فحكى له‪« :‬جاءني (جبريل)‪ ،‬وأنا نائم‪ ،‬بنمط من ديباج فيه كتاب‪،‬‬
‫فقال اقرأ (‪ )...‬فقرأتها ثم انتهى فانصرف عني وهببت من نومي»‪.‬‬
‫كل الروايات عن بدء الوحي بالآيات الخمس لم تذكر أن «الملك‬
‫(جبريل)” تحدث إلى النبي ‪-‬كما تحدث الله بنفسه إلى موسى في‬
‫الوادي المقدس‪ -‬ليخبره أن الله اختاره ليكون رسو ًل إلى قومه‪ ،‬هو‬
‫رأى ما رأى ‪-‬كما كان يرى دائ ًما‪ ،-‬وسمع ‪-‬مثلما كان يسمع‪ -‬ثم‬
‫حكى لخديجة ما لا يعرف ماهيته‪“ ،‬فقالت ‪-‬كما في الطبقات الكبرى‬
‫أي ًضا‪ :-‬لم يكن الله ليفعل بك ذلك يا ابن عبد الله‪ .‬ثم أتت ورقة بن‬
‫نوف ٍل فذكرت له ذلك‪ .‬فقال‪ :‬إن يك صاد ًقا فهذا نامو ٌس مثل ناموس‬

       ‫موسى‪ .‬فإن يبعث وأنا حي فسأعزره وأنصره وأؤمن به»‪.‬‬

                            ‫‪74‬‬
   69   70   71   72   73   74   75   76   77   78   79