Page 75 - b
P. 75

‫إن عدت إلى قاعدة طه حسين في نزع القداسة حتى يتسنى لي‬
‫مناقشة الأمر بشكل منطقي‪ ،‬فأنا سأقف أمام عدة نقاط‪ :‬الأولى‪:‬‬
‫أن الله لو أراد أن يخبر محم ًدا أنه رسول فلِ َم لم يخبره كما أخبر‬
‫موسى‪ ،‬أو أن يجعل (جبريل) يتحدث إليه‪ ،‬لكن هذا لم يحدث‪ ،‬ث َّم‬
‫‪-‬وهذا مهم ج ًّدا‪ -‬من أدرى النبي أن من أتاه في (الرؤية) (جبريل)‪،‬‬
‫وهو حين يقول إن (جبريل) أتاه فقد قطع نصف المسافة على المتلقي‬

                   ‫ليقر بأنه نبي‪ ،‬ف(جبريل) لا يأتي إلا الأنبياء!‬
‫لننتقل إلى النقطة الثانية‪ ،‬وهي أن خديجة تميل إلى أنه صادق‬
‫ويؤدي الأمانة‪ ،‬وبالتالي فـ(من المرجح) أن الذي يأتيه مل ٌك وليس‬
‫جنًّا أو شيطا ًنا‪ ،‬من المرجح لأنه ليس ثمة شيء مؤكد‪ ،‬يبقى رأيها‬
‫احتما ًل من عدة احتمالات‪ .‬والنقطة الثالثة أن السردية الإسلامية‬
‫وضعت أمر النبوة كله في يد ورقة بن نوفل‪ ،‬وكأنه يملك اليقين‬
‫ويستطيع أن يحكم على أمر جلل كأمر النبوة بهذه البساطة المخلة!‬

                    ‫ومع ذلك فإن ما قاله ورقة ليس قاط ًعا أي ًضا!‬
‫ورقة قال جملتين في غاية الأهمية‪ :‬الأولى «إن ي ُك صاد ًقا”‪ ،‬أي‬
‫أنه احتمل الصدق كما احتمل غيره‪ ،‬وغيره ليس الكذب فيما أتصور‬
‫ونحن نتحدث عن إنسان عرف عنه الصدق‪ ،‬ولكن اختلاط الأمر‪ ،‬أو‬
‫التهيؤ‪ .‬والثانية “فإن يبعث وأنا حي”‪ ،‬وهذا معناه أنه لم يتعامل مع‬

                       ‫الحكاية على أنها (بعث)‪ ،‬وإنما (الناموس)‪.‬‬
‫نحن إذن أمام قصة ظنيَّة أطرافها جمي ًعا بشر كيَّفوها على حسب‬
‫رؤيتهم‪ ،‬وعلى الرغم من أن السردية الإسلامية بالغت في تعظيم قدر‬
‫ورقة بن نوفل‪ ،‬باعتبار أنه هو الذي (ق َّدر) أن تلك رسالة إلهية‪ ،‬فإنه‬
‫يظل بش ًرا‪ ،‬بل إن بعض الروايات تقول إنه لم يدخل الإسلام حتى‬
‫مات مثل الحنيفيين الأربعة الذين لم يسلموا‪ ،‬بل إن أحدهم وهو‬
‫عبيد الله بن جحش‪ ،‬وهو ابن عمة محمد أميمة بنت عبد المطلب ‪-‬كما‬
‫يقول الرصافي‪ -‬أدرك البعثة وأسلم وهاجر إلى الحبشة مع امرأته أم‬

                              ‫‪75‬‬
   70   71   72   73   74   75   76   77   78   79   80