Page 9 - b
P. 9
الفهم والإدراك ،وبالتالي لا تتقبل الأمور المختلفة بنفس القدر ..هذا –
على الأقل -ما أثبته العلم الحديث الذي فهم «المخ» ووظائفه وقدراته.
()3
لماذا اختار «الله» أن ين ِّزل رسالته على البشر متدرجة بواسطة
عدة أنبياء ورسل وليس مرة واحدة برسول واحد؟ مع الأخذ في
الاعتبار موضوعين في غاية الأهمية:
الموضوع الأول :أن الغاية من تلك الرسالات بسيطة وليست معقدة
لكي تش َّق على الناس وتحتاج إلى التجزيء ،فالحق والعدل والخير
والتعاون والتراحم ليست أمو ًرا خلافية تحتاج إلى «وصلات» لكي
تصل إلى المتلقي ،فلن تدعو إنسا ًنا إلى الحق ويدافع هو عن الباطل،
لن تدعوه للجمال ويقتنع هو أن القبح أفضل ،من الممكن أن يعاند
في سلوك طريق الحق لأنه يربح من طريق الضلال أكثر ،لكنه لن
يجادلك في أن الضلال أفضل من الحق ،قد يزين لك أن «الضلال» هو
الحق ،فنعود إلى النقطة السابقة عن خلق العقل وقدراته والمسؤولية
عن ذلك.
الموضوع الثاني :هو أن الرسالات نزلت على مجتمعات بدائية
فقيرة ،ناس قليلون من حيث العدد ،متباعدون من حيث مكان الإقامة،
لا تصل الأخبار من مكان لمكان إلا بعد عدة أشهر أو عدة أعوام ،ومن
الممكن ألا تصل أسا ًسا ،وبالتالي فإن التعويل على «التدرج» هنا ليس
تعوي ًل صائبًا ،لأن الخبر الذي حمله أحد الأنبياء سمع به بعض
الناس ،الذين من الممكن ألا يسمعوا عن خبر نبي آخر سيأتي بعد
نصف قرن أو يزيد ،خصو ًصا أن الأنبياء –الذين نعرفهم -نزلوا في
أماكن بعيدة نسبيًّا ،ومختلفة :في مصر والشام والجزيرة العربية
في وقت تتقطع فيه السبل بين الناس ..فهل طريقة التجزيء هذه
هي الأفضل؟ أم كان من المستحسن أن تنزل رسالة واحدة تصل
للناس -حين تصل -فيعرفونها ويعملون بها دون تحديثات قد لا
9