Page 11 - b
P. 11

‫أنبياء متعددين متباعدين في زمن تتخلف فيه وسائل الاتصال وسبل‬
‫الحياة عمو ًما‪ ،‬والعلم في مقدمتها‪ ،‬لكي يقتتلوا حول قداسة وصدق‬
‫نبيهم وادعاء الآخرين للنبوة‪ ..‬فالأسئلة الإلهية هنا تبدو تعجيزية‬
‫في مستوى المواطن النبي الذي ُرفع عنه الحجاب‪ ،‬أو المواطن المسلم‬
‫المصدق الذي لا يجادل ولا يناقش‪ ،‬بل يقبل ما يقال له على ع َّلته‪ ،‬أو‬

                                ‫«على العمياني» كما يقول العامة‪.‬‬

                           ‫(‪)5‬‬
‫يرتبط هذا السؤال بالسؤال السابق‪ :‬لماذا لم يترك الأنبياء أي‬
‫أثر يدل على وجودهم‪ ،‬وينفي ما يثار عن كونهم اخ ُتلِ ُقوا –اختلا ًقا‪-‬‬
‫بواسطة أشخاص آخرين أرادوا استخدامهم للسيطرة على العباد؟‬
‫أو –على الأقل‪ -‬لكي لا تتضخم سيرهم أو تتقزم وف ًقا لمصالح دنيوية‬
‫تخص الحكم والثروة والتحكم في البلاد والعباد؟ وسؤالي هنا ليس‬
‫غريبًا ولا منفص ًل عن الواقع الذي نزل فيه الأنبياء الذين نعرفهم‪،‬‬
‫فالحضارة المصرية القديمة مث ًل ‪-‬التي أقيمت قبل نزول الأنبياء‬
‫بآلاف السنوات‪ -‬تركت المعابد والنقوش والقبور والأدوات والكتابات‬
‫التي تدل عليها‪ ،‬والتي تم ِّكن الآخرين من قراءتها بدقة‪ ،‬كذلك الحال‬
‫بالنسبة للحضارات الأخرى التي أحاطت الجزيرة العربية‪ ،‬في الشام‬
‫والعراق واليمن‪ ،‬كما أن الفرس والروم تركوا مراسلات وحوليات‪،‬‬
‫في حين أننا لا نجد أي أثر في أرض صحراوية قاحلة جافة من‬
‫المنطقي والطبيعي أن تحتفظ بآثارها‪ ،‬لأنه لا تتهددها مياه جوفية‬
‫مث ًل أو أ ٍّي من العوامل الأخرى التي تفني آثار الحضارات‪ ،‬بل إننا‬
‫لا نعثر على مكاتبة واحدة ولا رقعة من الرقاع التي كتبت عليها آيات‬
‫القرآن‪ ،‬بل لا نجد المصحف الأول نفسه‪ ،‬وندور في حلقة مفرغة‬

                                              ‫مغمضي العيون‪.‬‬
‫اللافت هنا أن الخطاب الإيماني يهرب من عدم وجود أي دليل‬
‫أو أثر‪ ،‬بالقول إن من آمن ولم ي َر؛ إيمانه أقوى ممن آمن بعد رؤية‬

                              ‫‪11‬‬
   6   7   8   9   10   11   12   13   14   15   16