Page 230 - m
P. 230

‫العـدد ‪57‬‬                           ‫‪228‬‬

                               ‫سبتمبر ‪٢٠٢3‬‬                        ‫أفعال الحاضرين‪ ،‬ولأن‬
                                                                 ‫العرض يأخذ شكل لعبة‬
      ‫بريخت من التطهير في‬        ‫الممثلين‪ ،‬كما يمكن للمتلقي‬    ‫فإن هناك ضرورة لوجود‬
 ‫نظريته عن المسرح الملحمي‪،‬‬         ‫أن يتدخل ويقترح حلو ًل‬      ‫شخصية تقوم بإدارة هذه‬
                                    ‫ونهايات‪ .‬فحسب وجهة‬
     ‫لكن بوال تجاوز نظرية‬          ‫نظر بوال‪ ..‬هذه المنافسة‬         ‫اللعبة‪ ،‬وهي شخصية‬
‫بريخت إلى حد محاولة تغيير‬         ‫هي التي تخلق الوعي عند‬     ‫الجوكر التي استوحاها بوال‬
                                   ‫المتلقي‪ ،‬كما أن مشاركته‬
    ‫الواقع بد ًل من محاكمته‬                                     ‫من مدير اللعبة في مسرح‬
                ‫ونقده فقط‪.‬‬       ‫بالعرض تؤدي إلى تحرره‪،‬‬        ‫القرون الوسطى‪ ،‬وللجوكر‬
                                 ‫فيقترب العرض من مفهوم‬         ‫شخصية متغيرة تمكنه من‬
     ‫وتبرز أفكاره حول هذه‬      ‫السايكو دراما‪ ،‬وهو نوع من‬     ‫لعب أدوار مختلفة‪ ،‬ووظيفته‬
     ‫النقطة في تقنية المسرح‬      ‫أنواع العلاج النفسي الذي‬
‫الخفي الذى سعى إلى تحقيق‬       ‫يجمع بين الدراما كفن وبين‬          ‫في العرض هي ترويض‬
 ‫هدف معاكس للتطهير؛ وهو‬          ‫علم النفس‪ ،‬ومن هنا يقوم‬     ‫النقاش‪ ،‬وتعديل مسار اللعبة‬
     ‫تحريض المتلقي لاتخاذ‬      ‫المريض بتفريغ مشاعره عبر‬      ‫حسب ردود الأفعال وحسب‬
 ‫موقف‪ .‬وتقوم هذه الصيغة‬        ‫أداء تمثيلي لواقع قد عاشه أو‬
     ‫على تدريب الممثلين على‬                                      ‫المستجدات بالإضافة إلى‬
     ‫موضوع ما مأخوذ من‬                             ‫يعيشه‪.‬‬       ‫القدرة على تغيير المعطيات‬
  ‫الواقع ثم عرضه في أماكن‬        ‫وفي حديث أجرته المخرجة‬
                                                                     ‫للإفلات من الرقابة‪.‬‬
      ‫عامة أمام الناس دون‬           ‫المصرية نورا أمين التي‬        ‫إ ًذا فالجوكر هو عنصر‬
  ‫الكشف عن أن ما ُيقدم هو‬       ‫تدربت مع بوال عام ‪2003‬‬        ‫أساسي من عناصر مسرح‬
                                ‫وترجمت بعض مؤلفاته إلى‬          ‫المقهورين؛ واجب التواجد‬
        ‫عمل محضر مسب ًقا‪.‬‬                                       ‫في كافة أشكال العروض‪،‬‬
     ‫وقد استوحى بوال هذه‬          ‫العربية عن دور أوجستو‬      ‫ويقول بوال عن دور الجوكر‬
   ‫التقنية من تأملاته لأنماط‬        ‫بوال في المسرح العالمي‪،‬‬       ‫«اقترحنا الجوكر ليكون‬
   ‫التعبير التي اتخذت طاب ًعا‬                                ‫شك ًل ثابتًا من الدراماتورجيا‬
‫سر ًّيا في وقت ما‪ ،‬كالصحافة‬       ‫قالت إنه يعد آخر الأعلام‬      ‫ومن الإخراج‪ ،‬فهو الخيط‬
‫والموسيقى والمسرح‪ ،‬وكانت‬       ‫المؤسسين للمناهج المسرحية‬          ‫الذي يربط كل التجارب‬
   ‫تدور فيما أُطلق عليه اسم‬     ‫في العصر الحديث‪ ،‬وأهم ما‬        ‫والاكتشافات التي أنجزت‬
 ‫الأقبية‪ ،‬ومن بعض الأشكال‬                                    ‫في مسرح أرينا»‪ ،‬وهذا يؤكد‬
     ‫المسرحية كـ»الهابننج»‪.‬‬      ‫يميز مسرحه أنه لم يصمم‬       ‫دوره في النص وفي الإخراج‬
 ‫تستخدم كلمة ‪Happening‬‬             ‫لخشبة مسرح أو لممثلين‬       ‫وفي التعامل مع الممثلين بل‬
     ‫في اللغة المسرحية دون‬           ‫محترفين؛ بل لإشراك‬
   ‫تعريب للدلالة على حدوث‬                                                    ‫والمتفرجين‪.‬‬
   ‫عرض مفاجئ يتخذ شكل‬            ‫الجمهور في العرض بشكل‬            ‫إلى جانب الجوكر هناك‬
      ‫آني ومتفرد مما يورط‬       ‫مباشر لتحرير ذهن المواطن‬
‫المتلقي في ذلك الحدث ليكون‬     ‫من سيطرة القهر ومنظومته‪،‬‬              ‫مجموعة من الممثلين‬
‫رد فعله حقيقي وغير مفتعل‪.‬‬                                            ‫يقسمون إلى قسمين‬
 ‫ُيشرك المسرح الخفي الناس‬         ‫حتى لا يعيد إنتاج النظام‬
 ‫في العرض المسرحي بشكل‬                     ‫نفسه من جديد‪.‬‬              ‫ويشكلون جوقتين‬
  ‫عفوي دون إشعارهم بذلك‬                                           ‫متعارضتين‪ ،‬ويمكن أن‬
 ‫في الأماكن العامة كالمحطات‬     ‫ومن الجدير بالذكر أن بوال‬        ‫يؤدي الممثل الواحد عدة‬
‫والمقاهي‪ ،‬حيث يحدث موقف‬           ‫قد انتقد النظام المأساوي‬   ‫أدوار بالإضافة إلى المشاركة‬
      ‫بسيط يتعقد بالتدريج‪،‬‬                                   ‫في الجوقة خاصة وأن الفرقة‬
                                 ‫عند أرسطو واعتبره نظا ًما‬   ‫لا تضم دائ ًما عد ًدا كبي ًرا من‬
                                 ‫قسر ًّيا‪ ،‬وطرح غاية جديدة‬
                               ‫للمسرح هي التوعية بد ًل من‬
                               ‫التطهير‪ ،‬وهذا بالطبع يذكرنا‬

                                     ‫بموقف الألماني برتولد‬
   225   226   227   228   229   230   231   232   233   234   235