Page 100 - merit 50
P. 100

‫العـدد ‪50‬‬                             ‫‪98‬‬

                                      ‫فبراير ‪٢٠٢3‬‬

                         ‫المزيد‪.‬‬           ‫الحرب‪ ،‬ولا مع النهي الديني‬         ‫‪-‬بالطبع كما يعرف «عل ٌّي”‪ -‬تلك‬
   ‫في صحيح «مسلم» يرد النص‬                 ‫المشدد عن المُثلة (أي التمثيل‬       ‫السيرة التاريخية لنمو جماعات‬
  ‫التالي من حديث الخوارج وفيه‬                                                 ‫الخوارج التي يظهر على خلفيتها‬
    ‫عن المخدج‪« :‬آية ذلك أن فيهم‬              ‫بأجساد القتلى في ساحات‬
   ‫رج ًل له عضد ليس لها ذراع‪،‬‬           ‫المعارك)‪ .‬لولا ذلك ما أثار الخبر‬             ‫تأييد «نافع المخدج» لهم‪.‬‬
                                                                                 ‫الخبر منذ بدايته يكاد يجعلنا‬
      ‫على رأس عضده مثل حلمة‬                      ‫في حد ذاته ش ًّكا قو ًّيا‪.‬‬       ‫نميل إلى النظر لنبوءة «عليٍّ”‬
     ‫الثدي‪ ،‬عليه شعرات بيض»‪.‬‬             ‫غير أن ما يبدو أن خبر المخدج‬           ‫بخصوص المخدج كما لو كانت‬
    ‫ويضيف الخبر أن «عليًّا» بعد‬          ‫أثاره لم يكن محض شك‪ ،‬لكنه‬                ‫نبوءة من نبوات الشؤم التي‬
 ‫مقتل الخوارج في النهروان قال‪:‬‬                                               ‫تحقق نفسها بنفسها‪ ،‬لأن “نافع”‬
‫«التمسوا فيهم المخدج‪ ،‬فالتمسوه‬            ‫استثار خيال الرواة على نحو‬              ‫من كثرة ما سمع الكلام عن‬
     ‫فلم يجدوه‪ ،‬فقام عل ٌّي بنفسه‬            ‫تجسم في عشرات الأخبار‬           ‫نفسه على فم “عليٍّ” صار “يتكره‬
‫حتى أتى نا ًسا بعضهم إلى بعض‬                                                    ‫طعامه» أي يضيق بعيشه‪ .‬على‬
‫(قتلى)‪ ،‬فقال‪ :‬أخرجوهم‪ ،‬فوجدوه‬            ‫والمرويات والأحاديث الأخرى‪،‬‬             ‫ذلك يبرزه الخبر قريبًا للغاية‬
   ‫مما يلي الأرض‪ ،‬فكبَّر ثم قال‪:‬‬              ‫وحملتها مدونات التاريخ‬             ‫من هيئة «عبيط القرية»‪ ،‬وهو‬
    ‫صدق الله وبلَّغ رسوله‪ .‬قال‪:‬‬                                                   ‫ما يتضح في تسلله خفية إلى‬
  ‫فقام إليه عبيدة السلماني فقال‪:‬‬          ‫والحديث م ًعا لتكسو الأحداث‬         ‫الخوارج للقتال معهم‪ ،‬في موازاة‬
 ‫يا أمير المؤمنين والله الذي لا إله‬      ‫بتفاصيل غرائبية أكثر‪ ،‬وتمنح‬          ‫أخيه الذي يقاتل في صف «عليٍّ”‪،‬‬
   ‫إلا هو لسمعت هذا من رسول‬              ‫المخدج لقبيه الآخرين الملغزين‪،‬‬      ‫بعي ًدا عن العيون حتى لا يتلعب به‬
 ‫الله‪ ،‬إني والله الذي لا إله إلا هو‪،‬‬  ‫من جهة القبح والتشوه الصريح‪،‬‬            ‫الصبيان‪ .‬وحتى نهاية الخبر مع‬
‫فاستحلفه ثلا ًثا وهو يحلف له أنه‬        ‫ومن جهة الانتساب المقطوع به‬          ‫كلمات «عليٍّ”‪ :‬لا كذبت ولا ُكذبت‪،‬‬
                                                                                 ‫لا يمكن القطع بيقين إن كانت‬
         ‫سمعه من رسول الله»‪.‬‬                         ‫للنبوءات الغيبية‪.‬‬          ‫الإشارة من طرف خفي لشأن‬
 ‫وفي كتاب الخوارج يقول «الهيثم‬
‫بن عدي»‪« :‬إن عليًّا خرج في طلب‬        ‫ذو الثدية شيطا ٌن للردهة‬                     ‫غيبي يكمن في الخبر أم لا‪.‬‬
  ‫ذي الثدية‪ ،‬فوجده «الرياني» في‬                                                   ‫باختصار لا يوجد في رواية‬
 ‫حفرة على جانب النهر في أربعين‬               ‫في كتاب «البداية والنهاية»‬       ‫«أبو مريم» ما يدفع للذهاب أبعد‬
                                        ‫يورد الإمام الحافظ «أبي الفداء‬             ‫من أن المقصود بأن الخليفة‬

                                           ‫إسماعيل بن كثير الدمشقي»‬                               ‫«لا ُيك ِّذب»‬
                                          ‫(ت ‪774‬هـ) عشرات الأخبار‬                                ‫شيئًا سوى‬
                                         ‫ونصوص الحديث المتدفقة من‬                             ‫فراسة الخليفة‬
                                        ‫طرق ومصادر مختلفة وتضيف‬                                ‫وتوقعه‪ .‬ولولا‬
                                                                                                 ‫تناول الخبر‬
                                                                                              ‫لفعل مستغرب‬
                                                                                              ‫هو الأمر بقطع‬

                                                                                                   ‫يد «نافع»‬
                                                                                               ‫المخدجة‪ ،‬وهو‬
                                                                                               ‫سلوك لا يتفق‬

                                                                                                   ‫مع تقاليد‬
                                                                                                   ‫الفروسية‬
                                                                                                    ‫وقوانين‬
   95   96   97   98   99   100   101   102   103   104   105