Page 181 - merit 50
P. 181

‫الملف الثقـافي ‪1 7 9‬‬

‫ميكافيللي‬  ‫كارل ماركس‬         ‫فارس بن التارزي‬                   ‫وتجدر الإشارة‪ ‬إلى إن المجال‬
                                                                  ‫المدني لا يكون ولا ينمو إلا‬
   ‫وليس للفرد‪ ‬فيه شخصية‬       ‫بين أعضاء المجتمع‪ ،‬ثم تأتي‬          ‫بالعمل التطوعي التضامني‬
        ‫حرة ومستقلة‪ ،‬ومن‬           ‫العشيرة والقبيلة‪ ،‬وهي‬            ‫العضوي‪ ،‬بعكس علاقات‬
                                                                      ‫المجتمع التقليدي‪ ،‬حيث‬
      ‫ثم يصعب الحديث‪ ‬عن‬       ‫روابط اجتماعية‪ ‬تقليدية‪ ‬تقوم‬           ‫يكون التضامن ميكانيكيًّا‬
     ‫عمل‪ ‬مشترك بين أفراد‬                 ‫على أساس العمل‬                ‫بحسب عالم الاجتماع‬
 ‫القبيلة‪ ،‬بل هناك تضامن آلي‬                                         ‫الفرنسي‪ ‬دوركهايم‪ ،‬ولا‬
   ‫وتفاعل ميكانيكي‪ ‬تقليدي‪،‬‬         ‫المشترك‪ ،‬لكن التضامن‬           ‫يخلو أي مجتمع من وجود‬
      ‫هذا‪ ‬النمط من العلاقات‬        ‫والفاعلية الاجتماعية في‬            ‫قيم التعاون والتضامن‬
 ‫والحياة الاجتماعية هو نمط‬        ‫هذه المؤسسات التقليدية‬            ‫المدني الأهلي بين أفراده‪،‬‬
      ‫المجتمع ما قبل المجتمع‬     ‫الانقسامية هو كما يسميه‬                ‫وفي مجتمعنا العربي‬
      ‫المدني الحديث‪ ،‬ما قبل‬        ‫عالم الاجتماع الفرنسي‬                ‫الإسلامي‪ ‬حثنا ديننا‬
       ‫الدولة والسياسة‪ ،‬أما‬        ‫دور‪ ‬كهايم‪« ‬تضامن‪ ‬آلي‬               ‫الإسلامي الحنيف على‬
  ‫المجتمع المدني أو السياسي‬      ‫ميكانيكي»‪ ،‬إذ إن الفرد لا‬         ‫التعاون والتآزر والتراحم‬
    ‫كما نسعى أن يكون عليه‬         ‫يختار عائلته ولا عشيرة‬                ‫والتشاور والتواصي‬
   ‫مجتمعنا العربي المعاصر‪،‬‬
  ‫فمن المهم إن يكون للشباب‬           ‫ولا قبيلته‪ ‬ولا معتقده‬      ‫بالصبر‪ ،‬قال تعالى «والعصر‬
    ‫دور جوهري في ترسيخ‬             ‫ولا لغته‪ ،‬بل هي سابقة‬               ‫إن الإنسان لفي خسر‬
 ‫قيم التضامن‪ ‬المدني‪ ‬والعمل‬      ‫بوجودها عن وجوده‪ ،‬ومن‬                  ‫إلا الذين آمنوا وعملوا‬
  ‫المشترك بين الشباب‪ ،‬حيث‬          ‫ثم فهو منت ٍم إليها بغير‬
  ‫تكون الروابط التي تربطهم‬       ‫إرادته الحرة‪ ،‬بل بالولادة‬        ‫الصالحات وتواصوا بالحق‬
   ‫بعضهم ببعض هي روابط‬            ‫والنسب والقرابة‪ ،‬ورغم‬           ‫وتواصوا بالصبر» (سورة‬
‫أفقية مدنية عقلانية مشتركة‪،‬‬      ‫أن هذه الكيانات الطبيعية‬
 ‫تنبع‪ ‬من رغبة‪ ‬حرية الإرادة‬                                             ‫العصر)‪ .‬وفي الحديث‬
                                     ‫البيولوجية مؤسسات‬             ‫الشريف «مثل المؤمنين في‬
                                   ‫اجتماعية تقليدية؛ إلا أن‬
                                ‫الانتماء إليها ليس اختيار ًّيا‬       ‫توادهم وتراحمهم كمثل‬
                                                                ‫الجسد الواحد إذا اشتكى منه‬
                                                                ‫عضو تداعى له سائر الجسد‬

                                                                          ‫بالسهر والحمى»‪.‬‬
                                                                      ‫كلنا يعرف أن الإنسان‬
                                                                ‫كائن‪ ‬اجتماعي مدني‪ ‬بالفطرة‪،‬‬
                                                                 ‫كما يقول ابن خلدون‪ ،‬إذ هو‬
                                                                    ‫الكائن الحي‪ ‬الوحيد الذي‬
                                                                   ‫لا يستطيع العيش بمفرده‬
                                                                ‫بمعزل عن الجماعة‪ ،‬فالجنين‬
                                                                  ‫الإنساني يهلك خلال بضع‬
                                                                    ‫ساعات‪ ‬إذا ما‪ُ  ‬ترك بدون‬
                                                                    ‫رعاية‪ ،‬والعائلة هي اللبنة‬
                                                                 ‫الأساسية في تكوين المجتمع‪،‬‬
                                                                  ‫إنها مدرسة المشاعر الأولى‬
                                                                    ‫وأول نمط للعمل المشترك‬
   176   177   178   179   180   181   182   183   184   185   186