Page 244 - merit 50
P. 244

‫العيطة العبدية‬                               ‫العـدد ‪50‬‬                           ‫‪242‬‬

     ‫بصدق التجربة لكونها وليدة‬                                             ‫فبراير ‪٢٠٢3‬‬      ‫في بدايته أغنية شعبية لم تبدأ‬
   ‫معاناة‪ ،‬ذلك لأن الصوفي عاشق‬                                                            ‫إلا حين تم ازدواج اللغة العربية‬
 ‫ينفس عن مشاعره بكلمات تتسم‬           ‫موسيقى بإنشاد هذه المرددات‬                         ‫في الأندلس لانقسامها بين لهجة‬
                                   ‫وتصويتها(‪ ،)26‬وإلى هذه الخاصية‬                       ‫دارجة وأخرى مكتوبة»(‪ ،)22‬واللغة‬
    ‫بالرمزية التي تفرضها طبيعة‬
     ‫المعاني الروحية‪ ،‬فهو لا يعبر‬     ‫أشار «الحموي» قائ ًل «وسمي‬                             ‫الدارجة أو اللهجة أو العربية‬
     ‫بلغة العموم‪ ،‬بل يلجأ إلى لغة‬       ‫هذا الفن زج ًل لأنه لا يلتذ به‬                   ‫المحكية هي تركيب كلامي ينتمي‬
     ‫الخصوص‪ ،‬والناظمة الزجالة‬      ‫وتفهم مقاطع أوزانه حتى يغنى به‬                       ‫إلى أصل لغوي معين‪ ،‬ويتميز عن‬
     ‫تقرض مردداتها وفق تجربة‬
‫حياتيه ونفسية شعورية‪ ،‬فالتجربة‬                       ‫ويصوت»(‪.)27‬‬                           ‫غيره من مشتقات ذلك الأصل‬
  ‫الصوفية والزجلية مرتبطتان لما‬     ‫والمرددات من حيت هي نصوص‬                                  ‫اللغوي في النطق والمفردات‬
‫كانت أداة الإدراك عند الصوفي هي‬      ‫منظومة شع ًرا‪ ،‬إن لم نقل زج ًل‪،‬‬
   ‫نفسها وسيلة الزجال‪ ،‬فكلاهما‬      ‫تلحمها علاقة مباشرة بالتصوف‬                             ‫وبعض التراكيب(‪ ،)23‬كل ذلك‬
                                                                                           ‫تحدثه سمة الإعراب لا التفكير‬
                                           ‫لاتكاء كليهما على العاطفة‬
                                         ‫والوجدان الروحي‪ ،‬فالنص‬                                ‫اللغوي أو شعرية التعبير‪.‬‬
                                    ‫الصوفي مثل النص الزجلي يتميز‬                        ‫لذلك فالتمييز بين الشعر والزجل‬

                                                                                             ‫من منظور صفتي الفصاحة‬
                                                                                            ‫والعامية فيه نظر‪ ،‬لهذا وجب‬
                                                                                            ‫التفكير في تدقيق التسمية لأن‬
                                                                                            ‫عبارة (الشعر الفصيح) ليس‬
                                                                                        ‫معناها أن الفصاحة حكر على هذا‬
                                                                                         ‫النمط الشعري‪ ،‬ففي الزجل كذلك‬
                                                                                             ‫أنماط فصيحة‪ ،‬كما أن عبارة‬
                                                                                              ‫(الزجل العامي) لا تعني أن‬
                                                                                          ‫الشعر الفصيح خال من الألفاظ‬

                                                                                               ‫العامية‪ ،‬ولربما يصير من‬
                                                                                           ‫الملائم الحديث عن شعر معرب‬
                                                                                          ‫تهيمن فيه الفصحى مقابل زجل‬
                                                                                         ‫غير معرب تهيمن فيه العامية‪ ،‬ما‬
                                                                                          ‫انفكت سمة الإعراب هي المميزة‬
                                                                                           ‫بينهما(‪ ،)24‬فحسب العامية كما‬
                                                                                         ‫أشار د‪.‬عباس الجراري «تنطوي‬
                                                                                            ‫بطبيعتها على شفافية وفعالية‬
                                                                                           ‫ومرونة وحيوية تجعلها قادرة‬
                                                                                         ‫وباستمرار على امتصاص المعاني‬

                                                                                             ‫والأفكار الجديدة‪ ،‬واكتساب‬
                                                                                           ‫الألفاظ والتراكيب الوافدة»(‪.)25‬‬
                                                                                           ‫وبناء عليه فالمرددات نصوص‬
                                                                                         ‫زجلية تمتلك كل مقومات الكتابة‬
                                                                                         ‫الشعرية من لغة وتخييل وقصد‬

                                                                                             ‫ومعان وإيقاع‪ ،‬ولعل إيقاعها‬
                                                                                        ‫المنسكن في مقاطعها النغمية يزداد‬
   239   240   241   242   243   244   245   246   247   248   249