Page 256 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 256

‫العـدد ‪31‬‬                             ‫‪254‬‬

                                      ‫يوليو ‪٢٠٢1‬‬

‫“هنا»ـ عكست العديد من المشاكل‬           ‫بل نظرة تستدعي إعادة التفكير‬              ‫وبالعودة إلى المسلسل‪ ،‬فمن‬      ‫اسحاق نيوتن‬
    ‫التي تعاني منها المرأة في هذا‬       ‫في علاقتنا بأنفسنا وبالعالم من‬         ‫الصعب أن أحاول الهروب من‬
    ‫المجتمع المعطوب‪ .‬ولكنها هي‬           ‫حولنا‪ ..‬إننا ببساطة أمام بشر‬        ‫بلدي وأتجه إلى الولايات المتحدة‬
                                      ‫مرضى بدرجات متفاوتة‪ ،‬أنانيين‪،‬‬
  ‫الأخرى نتاج هذا المجتمع سيئ‬                                                     ‫في مهمة رسمية‪ ،‬ثم أخالف‬
   ‫التربية والسمعة والضمير‪ .‬أي‬              ‫مدعين‪ ،‬مهزوزين‪ ،‬ناقمين‪،‬‬           ‫القانون‪ ،‬وأستخدم هذه المخالفة‬
   ‫أنها هي الأخرى سيئة التربية‪،‬‬        ‫يمثلون مجتم ًعا موبو ًءا ومري ًضا‪،‬‬   ‫لارتكاب «جريمة» أخرى‪ ،‬بصرف‬
                                        ‫ومتضخم الذات ومغيَّبًا‪ ،‬وفقي ًرا‬
    ‫وانتهازية مهما كانت الأعذار‬                                                 ‫النظر عن أن الكثيرين يفعلون‬
   ‫والدوافع النفسية والاجتماعية‬         ‫روحيًّا‪ ،‬و ُم َّدعيًا‪ ،‬ولديه إحساس‬  ‫ذلك‪ ،‬فلماذا لا أفعل أنا الأخرى أو‬
   ‫(بل وحتى الدرامية)‪ .‬إن «هنا»‬                        ‫عميق بالدونية‪.‬‬
 ‫عكست مشاكل المرأة مع المجتمع‬                                                 ‫نحن الآخرون!! في كل الأحوال‬
                                             ‫“بدر» شخصية «وسخة»‬                   ‫هذه هي قوانين الدولة التي‬
      ‫المريض‪ ،‬ومشاكل المرأة مع‬         ‫باقتدار وبكل المعايير‪ ،‬لأنه ي َّدعي‬
    ‫نفسها‪ ،‬والمشاكل التي تثيرها‬        ‫امتلاك الحكمة‪ .‬ولأنه يمتلك المال‬     ‫أتواجد فيها‪ .‬وإذا لم تكن تعجبني‪،‬‬
  ‫المرأة بسوء تربيتها وانتهازيتها‬                                                 ‫فعليَّ المغادرة‪ .‬أنا مخير بين‬
  ‫وانحطاطها الروحي والأخلاقي‬              ‫والنفوذ‪ ،‬ولا تزال لديه القدرة‬         ‫الالتزام بالقانون أو المغادرة!‬
‫الذي تتحمل هي الأخرى شخصيًّا‬           ‫على تحريك بعض الأمور‪ ،‬ودعوة‬               ‫ولكن نتيجة «لسوء التربية»‬
    ‫جز ًءا من مسؤوليته من دون‬                                                     ‫و»الاستهتار والاستعباط»‪،‬‬
  ‫حشر المجتمع الذكوري والرجل‬             ‫شريحة معينة في بيته أو بيوته‬
    ‫وهيئة المواصلات‪ ،‬وجمعيات‬                ‫وأملاكه‪ ،‬فهو يدير منظومة‬           ‫ونتيجة للمنطق المعكوس‪ ،‬فأنا‬
 ‫الفيمينيزم‪ ،‬ومفاهيم حرية المرأة‪.‬‬                                               ‫أذهب إلى أمريكا لأدينها هناك‬
    ‫إن فكرة « َو َّق ِعي له رمشين يا‬    ‫العلاقات من حوله مثل كثيرين‬
    ‫بت عشان تقضي مصلحتك»‪،‬‬              ‫يفعلون ذلك في الواقع‪« .‬بدر» هو‬            ‫على أرضها وكأنني صاحب‬
                                      ‫نتاج واقع مشوه ومنحط وفاسد‪،‬‬              ‫حق‪ ،‬وصاحب قضية سياسية‪.‬‬
      ‫المنتشرة بقوة وشراسة في‬                                                  ‫وطب ًعا هذا هو المنطق التقليدي‬
‫المجتمع المصري‪ُ ،‬ي ْمكن أن تتطور‬        ‫ولكنه يروق للكثيرين المتماهين‬       ‫للجماعات الدينية ولأتباع الإسلام‬
 ‫إلى أمور وأحداث كثيرة من قبيل‬           ‫مع عادات وتقاليد هذا المجتمع‬
                                       ‫المريض‪ ،‬ومع هذا النسق الرديء‬             ‫السياسي‪ .‬ولكنه في المسلسل‬
    ‫كتابة اسم الطفل باسم رجل‬             ‫من العلاقات الإنسانية‪ .‬وطب ًعا‬        ‫استطاع أن يجتذب حتى «هنا»‬
‫آخر غير والده البيولوجي بسبب‬           ‫لا يمكننا أن نتجاهل هنا مشاكله‬
                                         ‫الخاصة مع ابنته‪ ،‬أو بالأحرى‬              ‫المتعلمة الحاصلة على درجة‬
   ‫خلافات مع الأب مث ًل‪ .‬إن عدم‬          ‫الناجمة عن علاقته بابنته التي‬       ‫الماجستير‪ .‬من الصعب أن أحاكم‬
    ‫الوضوح والانتهازية والمنطق‬
    ‫المعكوس والمعايير المشوهة لا‬            ‫لم نرها في المسلسل إلا عبر‬             ‫أمريكا أو أقارن بين مصر‬
    ‫تنتج إلا شخصية «هنا»‪ .‬تلك‬            ‫اسمها المكتوب على لوحة فوق‬         ‫«الجميلة» وأمريكا «السيئة»‪ ،‬وإلا‬
  ‫الشخصية سيئة التربية وسيئة‬           ‫قبرها‪ .‬وكذلك علاقته مع «أمينة»‬        ‫سنكون هنا أمام منطق معكوس‬
   ‫التقدير‪ .‬المسألة لا تقتصر على‬         ‫التي يتعامل معها بكل أمراضه‬
‫علاقة الرجل والمرأة‪ ،‬وأن «حازم»‬       ‫وضعفه وقوته‪ .‬يمكن قول الكثير‬                                   ‫تما ًما‪.‬‬
  ‫هو السبب‪ ،‬وأنه كان يهز ثقتها‬         ‫حول هذه الشخصية السيئة مثل‬              ‫“إن سوء التربية» الذي نشأت‬
 ‫بنفسها‪ .‬هذه أي ًضا مشكلة وأحد‬         ‫الواقع بالضبط‪ ،‬ومثل الكثير من‬
‫الأسباب‪ .‬ولكن الأسباب الحقيقية‬            ‫الشخصيات الموجودة في هذا‬                  ‫عليه ليس فقط «هنا»‪ ،‬بل‬
                                      ‫الواقع‪ .‬لكنه ليس القدر‪ ،‬ولا علاقة‬       ‫و»حازم» و»بدر» وجميع أفراد‬
      ‫تكمن في النشأة الاجتماعية‬        ‫له بمفهوم القدر بالمعنى الدرامي‬         ‫أسرة «مؤنس»‪ ،‬ومعهم مؤنس‬
 ‫نفسها‪ ،‬في تربيتها‪ ،‬وفي تكوينها‪،‬‬          ‫الكلاسيكي كما تنطع البعض‬
                                      ‫وتقعر وحاول الربط القسري بين‬               ‫نفسه بطبيعة الحال‪ ،‬يجعلنا‬
   ‫وفي رؤيتها للعالم وفي علاقتها‬                                              ‫ننظر إلى أنفسنا بعي ًدا عن تدفق‬
                                                ‫الأحداث وبين المفاهيم‪.‬‬
                                                                                 ‫الأحداث وتواليها والوصول‬
                                                                                 ‫إلى الذروة والنهاية السعيدة‬
                                                                              ‫المُ ْر ِضية للمشاهد الطيب الأنيق‬
                                                                                 ‫المطيع‪ ،‬نظرة جديدة منطقية‪.‬‬
   251   252   253   254   255   256   257   258   259   260   261