Page 78 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 78

‫العـدد ‪31‬‬   ‫‪76‬‬

‫يوليو ‪٢٠٢1‬‬

  ‫فتعانقا‪ ،‬وتنافسا في الدعوة إلى كأس من النبيذ في‬
                                         ‫الركن‪.‬‬

‫قال سميح إنه هاجر إلى الرياض بعد لقائهما اليتيم‪.‬‬
  ‫وقال إنه لم يعد يقرأ‪ ،‬فالعمل والغربة يستنزفانه‪.‬‬
  ‫قال إنه كان يخطط للعودة نهائيًّا هذه السنة‪ ،‬لكن‬
   ‫رائحة الخطر والنتن تزكم الأنوف‪ ،‬لذلك سيؤجل‬
                ‫العودة‪ .‬ألا تشم الرائحة يا أستاذ؟‬
    ‫بعد حي ٍن بادر كارم إلى زيارة جاره الأقرب أبو‬
    ‫شريف ولم يتأخر الجار بالرد‪ .‬وكانت مشاوير‬
        ‫كارم في العصاري غالبًا قد أخذت تتركز في‬
    ‫الشوارع التي يتحلق فيها أطفال وفتيان ورجال‬
                           ‫حول حاويات الزبالة‪.‬‬
   ‫في صباح عيد الميلاد صادف طفلتين أمام حديقة‬
         ‫الأطفال في حارة الع ّزي تتنازعان بقية من‬

‫سندويشة عثرتا عليها في كيس أسود صغير بجانب‬
  ‫الحاوية‪ .‬تفتت الخبز وما كان فيه وتناثر‪ .‬أنشبت‬
     ‫طفلة أظافرها في وجه الأخرى‪ .‬أنشبت الأخرى‬
  ‫أصابعها في شعر الأولى وعضتها في كتفها‪ .‬فصل‬
   ‫بينهما كارم فتن ّمرتا عليه‪ .‬ناول عشر ليرات ثمن‬

‫سندويشة لكل منهما‪ ،‬وتنبه إلى الشبه الكبير بينهما‪.‬‬
 ‫مسح عن خد الصغرى قطرات الدم‪ ،‬وسأل الكبرى‬

   ‫التي ابتدأت العراك سؤال العارف‪ :‬ما حرام عليك‬
 ‫تؤذي أختك؟ ح ّدقتا م ًعا به خو ًفا ودهشة‪ ،‬وانطلقتا‬

                                ‫كأنهما في سباق‪.‬‬
     ‫لا‪ ،‬لم يكن يعرف نيبالين‪ ،‬فكيف بسوريا كلها؟‬
‫من صعقة كهربائية إلى صعقة بدا كأن جلده يتبدل‪،‬‬
 ‫فتبدلت نظراته وعلاقاته‪ ،‬وهو يواجه الأسئلة التي‬
    ‫لم تخطر له يو ًما على بال‪ :‬إلى متى ستظل تهرب‬
 ‫مما حولك وتنطوي على بستانك ومكتبتك وصداقة‬
   ‫غالي؟ حتى الذكريات ضيعتها‪ .‬منذ طفولتك وأنت‬
   ‫تهرب من الإنسان الذي فيك‪ ،‬فإلى متى؟ من فيك‬
  ‫الذي يكتب‪ :‬الإنسان أم الحمار؟ هذه اللغة العربية‬
   ‫أو الفرنسية هل هي لغة الإنسان فيك أم الحمار؟‬
‫لماذا تع ّول على المجهول منك وتنكر المعلوم؟ يمكن لك‬
  ‫أن تعدد من سوءات الإنسان إلى ما لانهاية‪ ،‬ولكن‬
‫هل فكرت في اجتماع الجميل في الإنسان مع الجميل‬

                                     ‫في الحمار؟‬
   ‫تريد أن تتحول إلى حمار كما تحول َت إلى إنسان‪،‬‬
 ‫فكيف ستتيقن من ذلك؟ الموت ينتظرك كيفما كنت‪،‬‬
   73   74   75   76   77   78   79   80   81   82   83