Page 80 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 80

‫العـدد ‪31‬‬   ‫‪78‬‬

                                                         ‫يوليو ‪٢٠٢1‬‬

   ‫قالوا لنا‪ :‬قاتل قتال الأبطال‪ .‬تعرف‪ :‬بلدنا ما فيه‬        ‫البادئ‪ ،‬والبادئ أظلم‪ .‬هل تريد أن نفتح صدرونا‬
‫سر‪ .‬قالت لي زوجة واحد من رفاقه‪ :‬المرحوم زوجك‬                   ‫للرصاص ونقول له تفضل‪ ،‬بل نقول للقاتل‪:‬‬

 ‫فضح سرقات الكبار الكبار‪ :‬ذخيرة‪ ،‬قنابل‪ ،‬سلاح‪،‬‬            ‫يسلموا أيديك؟ هذه حرب يا أبو غاندي‪ ،‬سلم لي على‬
    ‫حتى أبواط وبطانيات‪ ،‬وكله يبيعونه للمسلحين‪.‬‬                                                   ‫غاندي‪.‬‬
   ‫قتلوا البطل يا كارم وأهل البطل قتلوني‪ .‬انتظروا‬
     ‫حتى أكملت العدة وقالوا لي‪ :‬ب ّره‪ .‬خبزتك عندنا‬         ‫وأحس كارم بأن ساقيه ما عادتا تحملانه‪ ،‬فأقعى‬
                                                                ‫على البساط الصنوبري‪ ،‬وأشار لأبو شريف‬
 ‫خلصت‪ .‬ابني الكبير ه ّربناه إلى تركيا‪ .‬التاني طفش‬                                        ‫بالجلوس قبالته‪.‬‬
  ‫بعدما استشهد أبوه‪ ،‬ومن يومها لا ح ّس ولاخبر‪.‬‬
    ‫البنات كل واحدة بهمها‪ .‬ضعنا يا أخي‪ ،‬ضيّعتنا‬                           ‫‪-5‬‬
  ‫الثورة‪ ،‬ضيّعنا النظام‪ ،‬ما عاد نعرف مين ضيّعنا‪.‬‬
  ‫قلت لحالي مالك يا مش ّحرة غير أهلك حتى لو بعد‬               ‫نها ًرا‪ :‬تكاد نيبالين تبدو خالية‪ .‬لي ًل‪ :‬تأوي إلى‬
  ‫ثلاثين سنة من القطيعة‪ .‬وحياة سيدنا محمد كنت‬              ‫أوكارها وإلى رشقات الرصاص‪ ،‬وأحيا ًنا‪ :‬أصوات‬
    ‫أتسقط أخباركم من الطير الطاير في عالي سماه‪.‬‬
  ‫ترك كارم شقيقته تعيد حكايتها وتجتر ذكرياتها‪،‬‬                                               ‫الانفجارات‪.‬‬
                                                               ‫عاد كارم إلى عزلته‪ .‬ما عادت أنباء المظاهرات‬
‫وأمعن في عزلته‪ .‬لكن لوزية ظهرت في غلالة بيضاء‬             ‫السلمية تحييه‪ ،‬بخاصة أيام الجمعة‪ .‬صارت تميته‬
  ‫تارة‪ ،‬ومد ّماة تارة‪ ،‬غير عاتبة إلا على أن أح ًدا ح ّل‬      ‫كل يوم أخبار وصور القتلى وأسراب المشردين‬
     ‫محلها هنا‪ ،‬كواكب أو غير كواكب‪ ،‬لا فرق‪ .‬ولما‬             ‫والمهجرين والنازحين والبيوت المدمرة والخيام‬

‫اختفت امتلأ البيت بصوت لم يسمعه كارم من قبل‪.‬‬                                      ‫المصفوفة بنظام صارم‪.‬‬
  ‫صوت امرأة هو‪ ،‬صوت رجل‪ ،‬صوت صديق هو‪،‬‬                         ‫كان يهرب أحيا ًنا إلى اللاذقية‪ ،‬يقضي وقتًا مع‬
   ‫صوت عدو‪ :‬لكأنك ما عدت بش ًرا‪ ،‬ولست بحمار‪:‬‬                  ‫منصورة بانتظار ظهور غالي‪ .‬يهدئ من خوف‬
   ‫من أنت؟ من هو هذا الذي ترك لوزية للموت ولم‬               ‫منصورة عليه ويزدرد خوفه الذي يكبر كل يوم‬
  ‫يرف له جفن؟ أليس هو من ترك زلفى للموت ولم‬                ‫من المجهول الذي يكبر كل يوم‪ .‬وفي كل لقاء كان‬
                                                          ‫اختلافه مع منصورة يكبر‪ .‬هي مسحورة وفخورة‬
‫يرف له جفن؟ من هو هذا الذي يتفرج على أخته كما‬                ‫بما يجري في مصر وهو يكرر ويحذر‪ :‬العسكر‬
 ‫يتفرج على امرأة ثكلى في التليفزيون؟ برودة هذه أم‬
‫بلادة؟ وماذا لو أنها شكل جديد للموت؟ ماذا لو أنك‬                  ‫سرقوا ثورة يناير‪ ،‬والعسكر لا يؤتمنون‪.‬‬
                                                         ‫لا يحتاج المرء إلى ذكاء خارق كي يتأكد من أن غالي‬
                                 ‫ميت وأنت ح ّي؟‬
                                                           ‫ليس عض ًوا في تنسيقية ما‪ ،‬بل قائد‪ ،‬وربما لأكثر‬
                  ‫‪-6‬‬                                          ‫من تنسيقية‪ ،‬ومع ذلك يرفض أن يتخفى‪ .‬وفي‬

      ‫كان ياما كان‪ ،‬وغير الله ما كان‪ .‬كان فيه بلدة‬         ‫لقائهما الأخير بدا أنهما يتواطآن على الابتعاد عن‬
      ‫كبيرة‪ ،‬أي مدينة صغيرة‪ ،‬اسمها نيبالين‪ ،‬كاد‬                             ‫خلافاتهما‪ ،‬بالصمت أو المزاح‪.‬‬
    ‫الثلج أن يطمرها ليلة رأس السنة‪ .‬كانت السماء‬
‫براكين مقلوبة تقذف الثلج حم ًما‪ ،‬فحكم على نيبالين‬          ‫عصر اليوم التالي باغته صوت امرأة تناديه‪ .‬فتح‬
    ‫بالحبس في البيوت أيا ًما أقسى وأطول من دهر‬              ‫الباب يسبقه سخطه‪ .‬مرحبا كارم‪ :‬حيّاه الصو ُت‬
 ‫حصار المسلحين واقتحامها وطرد الجيش والقوات‬               ‫المنهك‪ .‬ر ّد بجفاء‪ .‬ما عرفتني؟ نفت هزة من رأسه‪.‬‬
                                                             ‫أنا أختك يا كارم‪ ،‬أنا كواكب‪ .‬حدق فيها ببرود‪.‬‬
                               ‫الرديفة لهم منها‪.‬‬
    ‫كان كارم قد تلقى منذ الربيع إيميلات ومكالمات‬              ‫ياو ْل أنا أختك نسيتني؟ صاحت به بلهجة دير‬
     ‫تظمئن عليه وعلى سوريا‪ :‬تولاي وأصلان ول ّل‬             ‫الزور ودفعته ودخلت وتركت له أن يج ّر الحقيبة‪.‬‬
  ‫فاطمة الزهراء وظبية راشد وإياد ش ّموحي وأحمد‬
                                                              ‫احتلت كواكب البيت فو ًرا ولسانها لا يهدأ‪ :‬من‬
                                                         ‫الآخر يا أخي‪ ،‬زوجي استشهد‪ ،‬طلبوه من كم شهر‬

                                                            ‫وعينوه مستشار في معامل (الدفاع)‪ .‬الله يرحمه‬
                                                                              ‫كان بالتقاعد وكنّا ما أحلانا‪.‬‬
   75   76   77   78   79   80   81   82   83   84   85