Page 81 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 81
79 إبداع ومبدعون
قصــة
أمنيته ،ويعود إلى الحياة في إهاب حمار؟ إبراهيم الفقيه و ..وكانت ردود كارم عارمة
بعدما وقع من الأهوال ،وانقضى من الأيام ،ما بالتفاؤل حتى بدأت السلمية تتقصف ،فبدأ يتقصف،
يكفي إلى أن يصير كارم نسيًا منسيًّا ،تناقلت بعض
وسائل الاتصال الرسالة التالية التي ترثي حما ًرا وتباعدت ردوده وارتبكت إلى أن توقفت وقد شلّه
كأنه إنسان ،وهل من حمار كأنه إنسان إلا كارم اليقين بأن الفرصة التاريخية للتغيير قد تبددت.
توقف كارم عن القراءة والكتابة ،وضاعف الكر َب
أسعد الذي أكدت هذه الرسالة موته: عليه انشغا ُل غالي عنه وخوفه عليه ،واختلافهما.
عزيزي الحمار: ومن يوم إلى يوم صنع من التليفزيون صليبًا له
رأيتك أمس وأنت تسقط مضر ًجا بدمائك .رأيت وهو يتحول إلى هلام تليفزيوني ،ويتفرج على
اختلاجات جسدك وهو يفارق الحياة تحت وابل التفاهة تعيد صياغته مثل أي من القابضين على
الرصاص .لم أسمع صوتك جي ًدا وأنت في لحظات الرقاب ،أو الذين تسيدوا المعارضات متجلببين
نزعك .ضحكات القاتل كانت أعلى بقليل من بجلابيب الدول والدين والطائفية والمذهبية
حشرجاتك. والعلمانية واليسارية و ..وأخذ كارم يرى نفسه
رأيتك عزيزي الحمار ،وتألمت ،لا لبشاعة المشهد أي ًضا مثل أي من جحافل الأميين الجدد الذين
فحسب ،بل لأن الفرصة لم تسنح لأقترب من جثتك تفرخهم وسائل الاتصال والمدارس والجامعات
ودور النشر والصحف والأحزاب والمعسكرات
الطاهرة ،وأطبع قبلة بين عينيك .كل ما استطعت و ..والسؤال يصدعه ويكويه عن أي ثورة هو هذا
فعله الآن أن أعتذر إليك ،باسمي وباسم جميع أبناء الحديث الصاخب ،إلا إذا كانت هي الثورة المغدورة
هذا الوطن عن الإساءات التي لحقت بك فيما مضى التي سرعان ما غدر بها العدو كما غدر بها الصديق
من أيام عيشنا المشترك على هذه الأرض. وكثيرون من أهلها!
لكن الأمر سيختلف عما قريب ،أو هو اختلف فع ًل ربما كان كارم وحده من خرج في الليلة الأخيرة
بعد هذا الزلزال الذي لا يعد بتغيير على مستوى للبراكين الثلجية .ففي الحكاية أن أخته كواكب
السياسة وحسب ،بل على مستوى الحياة والنظر افتقدته في الصباح .ومنذ ذلك الصباح سعى من
إلى الوجود .ما يهمني هنا هو أن أنقل إليك هذه سعى إلى الوقوع على أثر له ،وعلى رأسهم غالي
البشارة :هناك من أعطاك مرتبة شهيد ،تماما كما لبلابي ،على الرغم من الخطر القاتل المحدق بكل
أعطاها لشركائك في الحياة من بني البشر .ولا خطوة يخطوها.
يقتصر الأمر عليك ،فقد سبق أن خلعوا هذه الصفة هل اصطاده حاجز من حواجز السلطة فقادوه إلى
على مئذنة ،وشجرة ،ومدرسة ،ودراجة نارية، ساحة أو دار سينما أو مدرسة أو مخيم أو أي
وأشياء وكائنات أخرى كثيرة اقتلعها القتلة من مكان ُيح َشد فيه المعتقلون ولا يبقى لواحدهم أثر؟
ربما ض ّل فوقع بين يدي أي فصيل ينسب نفسه إلى
جذورها. الإسلام .وكارم لا يفرق بين حزب أو فصيل ديني
عزيزي الحمار:
لتطمئن فروحك الطاهرة حي ًة تبقى ،ووحدهم القتلة وحزب أو فصيل ديني.
لن ينعموا بطمأنينة ،لا في حيا ٍة ولا في ممات(.)1 ربما طلب منه أي فصيل أن يصلي ،وكارم نسي
الصلاة فقطعوا رقبته .هل اختطفه شبيحة النظام؟
هوامش: ولكن ممن سيطلب الفدية أ ُّي خاطف ،وكارم مقطوع
من حجر؟ لو كان في مخيم من مخيمات اللاجئين
* فصل من رواية لم تنشر بعنوان «آراجيف: على الحدود التركية أو في لبنان أو في الأردن ،لو
تحولات الإنسان الذهبي». كان قد ركب البحر فابتلعه ،أو لو أنه نجا وينعم
الآن في جنات اللجوء ،أما كان قد ظهر له أثر؟ وعلى
-1من نص فيسبوكي للروائي إسلام أبو شكير. أية حال ،إذا كان قد مات ،فهل يعقل أن تتحقق