Page 82 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 82

‫العـدد ‪31‬‬   ‫‪80‬‬

                                                    ‫يوليو ‪٢٠٢1‬‬

‫جوخة الحارثي‬

‫الجنة‬

‫حتى تصل إلى اللحظة المستحيلة‪ ،‬التي هي الآن‪،‬‬           ‫كانا في الجنة‪ ،‬نخيل ونجيل وسلال فاكهة‪ ،‬البحر‬
  ‫التي هي الجنة‪ ،‬وعلى كل المؤمنين المجاهدة في‬         ‫العظيم يمتد بلا انتهاء من أجل عينيهما‪ ،‬والفتيات‬
‫سبيلها‪ ،‬وكانت تظن أن إيمانها به‪ ،‬وباستحقاق‬            ‫المحليّات بالزي التقليدي المزخرف بورود صغيرة‬
               ‫السعادة كافيًا‪ ،‬ومبر ًرا للأثمان‪،‬‬
           ‫ولكن رأسها‪ ،‬لا يك ّف عن لعب لعبة‬             ‫يبتسمن بلا كلل‪ .‬تمنّت لوهلة أن تم ّر بإصبعها‬
               ‫التوازن‪ :‬يضع المجاهدة في ك ّفة‪،‬‬         ‫على خد البنت شديد الصفاء لترى إن كان شديد‬
               ‫ويضع اللحظة‪ ،‬معه وحده‪ ،‬على‬            ‫النعومة أي ًضا‪ .‬ولكنها في الجنة‪ ،‬كيف يخطر لها أن‬
            ‫البحر‪ ،‬في ك ّفة أخرى‪ .‬ركبا الدراجة‬
                ‫المائية‪ ،‬تبلَّلا بالكامل‪ ،‬ولما رأت‬                  ‫تتمنى أكثر مما هي فيه من نعيم؟‬
           ‫شعره المبتل قفزت من لعبة التوازن‬                ‫كان لا ينظر إلى البحر بل إليها‪ ،‬وكان يردد‪:‬‬
             ‫التي في رأسها وعصرته‪ .‬تراكضا‬
               ‫إلى الكوخ الخشبي الذي لا يبعد‬                                      ‫حبيبتي‪ ..‬حبيبتي‪..‬‬
                ‫سوى أمتار قليلة عن الشاطئ‪،‬‬           ‫كان الطريق شا ًّقا إلى كلماته في الجنة‪ ،‬لقد س ّددت‬
                ‫صاحت‪ :‬انفض قدميك قبل أن‬             ‫من روحها أثما ًنا هائلة حتى تصل إلى هذه اللحظة‪،‬‬
                 ‫تدخل‪ .‬كانت حقيبته مفتوحة‬
                    ‫على الأرض‪ ،‬اندهشت‪ :‬كل‬                               ‫فكان على اللحظة أن تستحق‪.‬‬
                       ‫هذه القمصان من أجل‬                 ‫ألقمها قطعة بابايا فاستطعمت حلاوة حارقة‪،‬‬
                    ‫هذه الأيام القليلة؟ ضحك‪:‬‬          ‫أبقى طرف إصبعه في فمها‪ ،‬لم تتمالك التفكير إن‬
                     ‫أحضرتها كلها احتياطا‪..‬‬          ‫كان يفعل هكذا مع زوجته‪ .‬تساءلت بصوت مرح‪:‬‬
                     ‫كان سقف الحمام الملحق‬               ‫هل سنركب الدراجة المائية؟ قهقه‪ :‬سنفعل كل‬
                  ‫بالكوخ مفتو ًحا على السماء‪،‬‬          ‫ما تشائين‪ .‬لم يقل لها أحد من قبل‪« :‬سنفعل كل‬
                      ‫وفكرت وهي تقف تحت‬                 ‫ما تشائين»‪ ،‬فرددت الجملة لنفسها‪ .‬حين كانت‬
                 ‫الدش في خيارات عدة لإكمال‬            ‫صغيرة كانت لعبة التوازن لعبتها المفضلة‪ ،‬تجلس‬
                  ‫جملته‪ :‬احتيا ًطا لئلا تكرهين‬       ‫على الطرف الأول وتجلس أختها على الطرف الآخر‬
      ‫أحدها‪ ،‬احتيا ًطا لئلا تمطر فتبتل كلها ولا‬     ‫للعبة وتحاول أن توازن بين ثقليهما‪ .‬لقد ظلت تلعب‬
    ‫تجف‪ ،‬احتيا ًطا إذا قررنا البقاء هنا إلى الأبد‪.‬‬    ‫هذه اللعبة طوال حياتها بتنويعات شتَّى‪ ،‬حينما لا‬
                                                    ‫يكون هناك ما تتوازن معه فإنها تخترعه‪ ،‬وتتوازن‬
‫ج ّففت نفسها بمنشفة لها رائحة منعشة ولبست‬
‫قمي ًصا قطنيًّا طوي ًل‪ ،‬دندن بأغنية في الطريق إلى‬                                     ‫معه في رأسها‪.‬‬
                                                    ‫أخذها من يدها ليسيرا على الرمل‪ ،‬ح َّدثها عن تاريخ‬

                                                         ‫الجزيرة كما قرأه في الكتيب السياحي‪ ،‬وكانت‬
                                                     ‫توازن بصعوبة بين اللحظة‪ ،‬هذه اللحظة المستحيلة‬

                                                       ‫التي تحققت‪ ،‬وبين المساومات الشاقة مع روحها‬
   77   78   79   80   81   82   83   84   85   86   87