Page 83 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 83

‫‪81‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

  ‫شوكتها على الصحن لتنبهه‪ ،‬ه ّز رأسه‪ :‬أجسامهن‬               ‫المطعم البحري لتناول العشاء على ضوء الشموع‪.‬‬
   ‫صغيرة للغاية‪ ،‬لاحظ ِت؟ تجاهلت ما قاله‪ ،‬أكملت‬           ‫قال‪ :‬حمام بلا سقف! يالها من فكرة! أرادت إخباره‬
‫حلوى الأرز‪ ،‬فحدثها عن المعابد التي سيزورانها في‬
‫الغد‪ .‬قال بحماس‪ :‬سنشعل البخور في المعبد‪ .‬فكرت‬                ‫بأن ابنها كان يرغب دائ ًما أن يكون حمام غرفته‬
‫إن حماسه يشبه حماس ابنها للعب الجديدة‪ .‬فكرت‬                 ‫بلا سقف حتى يرى النجوم حين يستحم‪ ،‬ولكنها‬
 ‫في السعادة القصوى لأصابعهما المتشابكة‪ ،‬الخالية‬
                                                             ‫حذرته أن خرائط جوجل ستلتقط صورته عار ًيا‬
      ‫من رائحة الروبيان لأنهما لم يأكلا بأيديهما‪.‬‬             ‫في حمامه المكشوف‪ ،‬ص ّدق ابنها ذلك فك ّف عن‬
   ‫في الصباح التالي كانت تهرول للحاق به ونفض‬               ‫مطالباته‪ .‬لم تخبر الرجل الذي ما زال شعره مبت ًّل‬
 ‫الرمل عن صندلها الجلدي حين التفت إليها فجأة‪:‬‬
                                                                    ‫بذلك‪ ،‬تجنّبا دائ ًما الحديث عن أولادهما‪.‬‬
                              ‫هل أغلق ِت الغرفة؟‬           ‫أخذ يق ّشر لها الروبيان‪ ،‬رغبت في أن تتصل بابنها‬
                                    ‫‪ -‬أي غرفة؟‬             ‫لتخبره عن حمام الكوخ مكشوف السقف‪ ،‬غير أن‬
                                      ‫‪ -‬الكوخ‪..‬‬
                                                             ‫الولد لا يعرف حتى أين هي‪ .‬لم تعرف إن كانت‬
       ‫‪ -‬آه نعم‪ .‬لا شيء ثمين هناك على أية حال‪.‬‬            ‫أمها ستمرر له الهاتف أص ًل لتكلمه‪ ،‬لم تعرف حتى‬
 ‫‪ -‬هناك الجوازات‪ .‬لو ضاعت لن نستطيع العودة‪.‬‬
                                                                        ‫إن كانت سترد أسا ًسا على مكالمتها‪.‬‬
    ‫بمجرد أن قال «العودة» عادت لعبة التوازن إلى‬                  ‫عصرت الليمون على‬
   ‫رأسها مرة أخرى‪ .‬لقد قطعا الطريق الشاق‪ .‬لقد‬                  ‫الروبيان المقشر قبل‬
‫س ّددت الأثمان الباهظة ن َف ًسا ن َف ًسا من أنفاسها‪ .‬لقد‬       ‫أن تغرس شوكتها‬
                                                            ‫فيه‪ ،‬تخيلت صرخات‬
                  ‫وصلا للحظة‪ .‬للجنة‪ .‬أي عودة؟‬                 ‫الروبيان المستنجدة‬
‫ضغطت على يده بقوة ولكنه لم يفهم‪ .‬صعدا سلالم‬                  ‫من الطعنة‪ ،‬وفكرت أن عليها‬
‫كثيرة تحت الشمس حتى وصلا إلى المعبد المزخرف‬                 ‫ربما أن تكون نباتية‪ .‬حين‬
                                                              ‫كانت في شهر العسل‬
   ‫بالذهب‪ .‬تمتمت‪ :‬يالها من عظمة! ولكني عطشى‪.‬‬               ‫مع زوجها طلب منها أن‬
    ‫فتح حقيبة ظهره التي لا تفارقه‪ :‬أحضر ُت الماء‬            ‫تأكل الروبيان بيديها‪.‬‬
                               ‫احتيا ًطا‪ .‬اشربي‪.‬‬            ‫تلفتت حولها وهمست‬
                                                           ‫له‪ :‬لكننا في مطعم راق‪.‬‬
‫قبل أشهر‪ ،‬عرف مديرها في العمل أنها تلتقي بمدير‬               ‫ضحك‪ :‬كلهم يأكلون‬
     ‫الدائرة الأخرى س ًّرا في مكتبه‪ ،‬هددها أو ًل‪ ،‬ثم‬            ‫السمك والروبيان‬
                                                              ‫بأيديهم‪ ،‬لا تهتمي‪ .‬كانت‬
  ‫بوساطة حبيبها اكتفى بنقلها إلى فرع آخر‪ .‬فقدت‬            ‫وقتها مجرد طفلة متنكرة في‬
     ‫زملاءها وجو التفاهم معهم وترقيتها المرتقبة‪،‬‬            ‫جسد شابة‪ ،‬فرحت بكلامه‪،‬‬
                                                            ‫كان يدير شركته الصغيرة‬
  ‫وكان الفرع الآخر بعي ًدا ج ًّدا عن بيتها‪ .‬خجلت في‬          ‫الخاصة ويعرف بالتأكيد‬
 ‫البدء أن تسأله ع َّم ح َّل به في وظيفته بعد كشفهما‪،‬‬      ‫أكثر مما تعرف‪ .‬لقد ظل دو ًما‬
‫لكنها عرفت الجواب لوحدها بعد ذلك‪ :‬لا شيء؛ لقد‬
                                                                              ‫يعرف أكثر‪.‬‬
                            ‫حماه زميله‪ ،‬مديرها‪.‬‬                  ‫أحضرت النادلة في المطعم‬
   ‫ركع في المعبد‪ ،‬أح ّست ببعض الافتعال في ركوعه‬              ‫البحري حلوى الأرز الملفوف‬
‫فبقيت واقفة‪ ،‬ك ّدرتها ذكرى حادثة العمل‪ ،‬تمنّت لو‬              ‫بورق الموز‪ ،‬لم يعد شعره‬
‫لم تتذكر كل ذلك وهي في الجنة‪ ،‬حتى لو كانت جنة‬              ‫رطبًا‪ ،‬ربما جففه هواء البحر‪،‬‬
                                                          ‫علقت عيناه في النادلة‪ ،‬وضعت‬
            ‫حارة بعض الشيء‪ ،‬فقد بدأت تتعرق‪.‬‬
 ‫لم تعرف أن الصعود إلى المعبد الذهبي‪ ،‬والسباحة‬
‫في البحر‪ ،‬ثم العشاء في المطعم البحري‪ ،‬أو ما حوله‬

       ‫من مطاعم‪ ،‬سيصبح روتينًا للأيام اللاحقة‪.‬‬
   ‫لم تع ّد الأيام‪ ،‬ربما انقضى أسبوعان‪ ،‬لا تعرف‪،‬‬
   78   79   80   81   82   83   84   85   86   87   88