Page 101 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 101

‫نص قصة "مثل أسرة سعيدة" به‬                                                   ‫يوسف إدريس‬

    ‫معالم البنية الدرامية واضحة جلية‪،‬‬                              ‫لكن تلك الحقيقة»‪ .‬إ ًذا طيبة صفاء أصبحت‬
                                                             ‫محسوبة عليها‪ ،‬مرة أخرى نتذكر «الست أمينة»‪.‬‬
     ‫إنه تراجيديا محكمة البناء‪ ،‬تظهر‬                        ‫في هذا القسم يوصلنا السرد لقمة المفارقة الدرامية‬

 ‫الشخصيات كلها في أول مشهد كأننا‬                                ‫‪ ،Dramatic irony‬يخبرنا جاد في نهاية كلامه‬
                                                                 ‫تحت عنوان «محاولات» فيقول‪َ « :‬ف ِرح شادي‬
‫أمام "رواية أصوات"‪ ،‬ثم تتحول الكاتبة‬                         ‫بهاتفه الجديد‪ .‬التقط لنا صورة‪ ،‬بدونا مثل أسرة‬
                                                           ‫سعيدة»‪ ..‬الآن عرف القارئ أن الأسرة تجاهد لكي‬
  ‫إلى أسلوب آخر يتعدد فيه الساردون‪،‬‬                           ‫تبدو سعيدة‪ ،‬وأن الأب هو نفسه ينظر بسخرية‬

  ‫لكن الحوار يصبح مؤثًرا ج ًّدا في بنية‬                            ‫للصورة التي توثق لحظة السعادة الكاذبة‪.‬‬
‫السرد‪ ،‬ويغيب الوصف تما ًما‪ ،‬وفي ختام‬                        ‫ستخبرنا نور أن الزواج قد وقع‪ ،‬هو خبر مناسب‬
‫النص يظهر الراوي على خشبة المسرح‬
                                                                     ‫لكل المقدمات التي سربها السرد في خفة‪.‬‬
‫فيكسر الإيهام المسرحي ويتحدث إلى‬
                                                                           ‫***‬
                          ‫القراء‪ /‬النظارة‬
                                                                ‫القسم الخامس وهو الأخير عنوانه «تساؤلات‬
 ‫يخرج الآن للنور‪ ،‬وأن اسمه هادي‪ ،‬هادي لا فادي‬              ‫محملة بالألم»(‪ ،)8‬يسأل جاد زوجته صفاء عن جرح‬
   ‫هو الذي يتعرض للخطر‪ ،‬لقد فقدت صفاء وعيها‬                ‫الولادة‪ ،‬الآن كل شيء تحت سقف هذا البيت أصبح‬
                      ‫«خبطتين في الراس توجع»‪.‬‬
    ‫سترقد كل من صفاء ونور في المستشفى نفسه‪،‬‬                     ‫مكذو ًبا‪ ،‬هو يرغب في الاطمئنان على نور حين‬
       ‫كأن السارد يقول‪ ،‬الآن لم تعد هناك أكاذيب‪.‬‬           ‫تداهمها آلام الوضع عما قريب‪ ،‬فيسأل صفاء‪ ،‬لكن‬
   ‫يقتطع السارد لنفسه مقط ًعا بعنوان «لأن النهاية‬          ‫مكر الكاتبة‪ /‬السارد جعلنا نستمع إلى هذه المفارقة‬
  ‫حيلة بشرية»‪ ،‬فيخبرنا أن جاد الذي أحبته صفاء‪،‬‬             ‫على لسان صفاء‪ ،‬هناك إصرار على كشف سذاجتها‪،‬‬
   ‫ورغبت فيه نور بشدة‪ ،‬قد أصبح مثل قطعة ثياب‬
    ‫مرميّة‪ ،‬وفي هذه اللحظة تحدي ًدا‪ ،‬يخبرنا السارد‬             ‫حتى مخاوفها تمر م ّر الكرام‪ .‬لكن طمع جاد في‬
   ‫بس ٍّر كان مخفيًّا طوال الرواية‪ ،‬هو أن نور أغوت‬           ‫كرم صفاء يبلغ حد الصفاقة‪ ،‬فقد ذهب إلى المنزل‬
       ‫جاد على نحو غير معهود‪ ،‬لقد طلب ْت منه قبل‬             ‫يبحث عن المال‪ ،‬وأخبر صفاء أن مولو ًدا جدي ًدا له‬
  ‫سنوات (مع أن السياق لا يسمح بسنوات بل سنة‬
    ‫أو نحوها فحسب)‪ ،‬أن ُتقبِّل صدره عار ًيا تما ًما‪:‬‬
      ‫«ص ّممت على رغبتها‪ ،‬م ّررت لسانها على شعر‬
                        ‫صدره في الشارع المظلم»‪.‬‬
   ‫جاد ليس مثل السيد أحمد عبد الجواد‪ ،‬ربما لأنه‬
     ‫ليس تاج ًرا‪ ،‬ولكن المؤكد أن صفاء تشبه أمينة‪،‬‬
   ‫لقد بكى جاد أمام صفاء وأقسم أنه يحبها‪ ،‬هو لا‬

 ‫يريد ُخل ًعا ولا طلا ًقا‪ ،‬كلمة ال ُخ ْلع على لسانها مجرد‬
  ‫مكسب معنوي لم يكن متا ًحا لا لأمينة ولا من هن‬

     ‫أقوى منا في ذلك الزمن البعيد‪ ،‬تلجأ الكاتبة في‬
    ‫مرات قليلة «لمحاكاة الواقع»‪ ،‬هنا تساعدها اللغة‬
   96   97   98   99   100   101   102   103   104   105   106