Page 99 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 99

‫نون النسوة ‪9 7‬‬                                        ‫هذه هي الحكاية(‪ )2‬أو القصة ‪ ،Story‬كما وردت‬
                                                       ‫في الصفحات التسعين من القطع الصغير تحت‬
      ‫كالمعتاد»‪ ،‬وحين عادت صفاء بفنجان القهوة‬          ‫العنوان المذكور «مثل أسرة سعيدة»‪ ،‬لكن كيف‬
  ‫رشفها جاد بدون تل ّذذ‪ ،‬صفاء تلاحظ التغير الذي‬     ‫صاغت الكاتبة هذه الحكاية في خطاب ‪Discourse‬‬
‫طرأ على سلوك زوجها لكنها لا تفسره‪ ،‬بل تقول في‬
  ‫وضوح «لا أعرف السبب»‪ .‬في مقطع آخر بعنوان‬                  ‫أي وضعتها في قالب سردي من صنعها؟‬
                                                    ‫ق ّسمت الكاتبة النص إلى عدد من المقاطع السردية‪،‬‬
    ‫«للحيرة أنياب حا َّدة» يروي جاد عن حياته‪ ،‬في‬
 ‫عبارات موجزة‪ ،‬يسأل‪ :‬لماذا لا يصلحون أوتوبيس‬             ‫بلغت تلك المقاطع ‪ ٢٧‬مقط ًعا‪ ،‬لكل مقطع منها‬
                                                       ‫عنوان‪ ،‬وقد وضعت الكاتبة تقسي ًما داخليًّا آخر‬
   ‫المصلحة؟ ويناجي نفسه قائ ًل‪« :‬شردت في ذاتي‬        ‫أشمل من الأول‪ ،‬وبلغت العناوين في هذا التقسيم‬
     ‫المزدحمة أكثر من كل الطرق‪ ،‬صفاء تطاردني‬          ‫خمسة عناوين‪ ،‬كل عنوان في النص قام بدور في‬
                                                    ‫تقديم الخطاب السردي‪ ،‬وربما لهذا السبب أطلقت‬
 ‫بابتسامتها وحضورها الهادئ»‪ .‬ثم نسمعه يناجي‬
 ‫نفسه‪« :‬روحي حائرة‪ .‬حيرتها تتعبني‪ ،‬أنا الكسول‬                     ‫الكاتبة على عملها متتالية قصصية‪.‬‬
                                                         ‫القسم الأول عنوانه «الأحلام أكثر صد ًقا من‬
    ‫ج ًّدا‪ ،‬لماذا استجبت لرجاء فادي وحضرت حفل‬            ‫الواقع»(‪ ،)3‬وفيه تظهر الشخصيات جمي ًعا في‬
      ‫نهاية العام الدراسي الماضي؟ رأيت نور التي‬        ‫خمس مقاطع سردية قصيرة‪ ،‬كل مقطع يحمل‬
                                                      ‫اسم الشخصية‪ :‬صفاء‪ ،‬ثم شادي‪ ،‬ثم فادي‪ ،‬ثم‬
‫عصفت بي‪ ،‬هي شمس جعلت شمعة صفاء تنصهر‬                ‫جاد‪ ،‬وأخي ًرا نور‪ .‬في هذا القسم من النص‪ ،‬تصبح‬
      ‫بضوئها الضعيف‪ ،‬شلال من الماء الذي جرى‬              ‫الشخصية هي الراوي‪ ،‬فتصاب الشخصيات‬
                                                       ‫بكابوس في نومها‪ ،‬كل في سريره‪ ،‬وكل كابوس‬
 ‫بروحي المتصحرة»‪ ..‬هكذا جعلت الكاتبة شخصية‬         ‫مغاير لكابوس صاحبه‪ ،‬لكن الجميع يتفق في النهاية‬
 ‫جاد تقوم بدور التفسير والتبرير‪ ،‬برغم أن صوت‬        ‫التي ترده إلى الصحو من النوم‪ ،‬وتختلف حالة كل‬
                                                   ‫شخصية بين التعب والفزع والحزن والبكاء‪ ،‬لكنهم‬
   ‫الراوي العليم الذي يختلط بصوت الكاتبة‪ ،‬يبدو‬     ‫جميعا يبتلون بالماء أو يتبولون‪ .‬إن دلالة هذا القسم‬
   ‫ناتئًا في هذا الموضع‪ ،‬فإن الاستعارة غدت أقوى‬       ‫لن يستبينها القارئ إلا إذا انتقل إلى القسم التالي‬
   ‫وسيلة لجعلنا نفهم كيف قارن عقل جاد الواعي‬         ‫وعنوانه «يوم في حيا ٍة رتيبة»(‪ .)4‬في المقطع الأول‬
‫بين زوجته صفاء ومعشوقته نور‪ ،‬فيعترف هم ًسا‪،‬‬         ‫بعنوان «صباح تقليدي» تجتمع الأسرة على مائدة‬
   ‫لنفسه فحسب‪ ،‬أنه أحبها منذ النظرة الأولى‪ ،‬وأن‬        ‫الإفطار‪ ،‬صفاء تح ّضر الطعام وتستحث الزوج‬

                      ‫حضورها قلب كل الموازين‪.‬‬                           ‫لتناول طعامه حتى لا يتأخر‬
   ‫وفي مقطع بعنوان «النوايا الحسنة تكفي» تجعل‬                          ‫عن موعد العمل‪ ،‬وجاد يزجر‬
 ‫الكاتبة شخصية نور راو ًيا‪ ،‬تختار نور يوم الحفل‬
  ‫الدراسي ولحظة تعرفها بوالد الطفل فادي‪ ،‬حيث‬                                ‫صفاء لأنها لم تصنع له‬
 ‫تكلمت مع الأب جاد وتبادلت معه رقم الهاتف‪ ،‬ثم‬                           ‫فنجان القهوة‪ ،‬صفاء تروي‪:‬‬
 ‫تقول‪« :‬أحببته‪ ،‬هذا الرجل الأربعيني المتزوج‪ ،‬الأب‬
   ‫لصبيين أحدهما يقاربني في‬                                                   ‫«وضع ُت الساندوتش‬
 ‫العمر»‪ ،‬وتصف العلاقة بينهما‬                                                      ‫الذي قضم ُت منه‬
    ‫بالجنون‪ ،‬جنون منها‪ ،‬ومنه‬
                                                                              ‫قضمتين فقط‪ ،‬وتطاير‬
                       ‫أي ًضا‪.‬‬                                                     ‫البخار من كوب‬
    ‫القسم الثالث جعلته الكاتبة‬
‫بعنوان «لا مكان للفرح»(‪ ،)5‬وفي‬                                                ‫الشاي الذي لم أشربه‬
  ‫مقطع بعنوان «كل شيء مثل‬                                                         ‫بعد‪ .‬كان يتفحص‬
  ‫لا شيء» نسمع صفاء‪ ،‬تدافع‬
‫عن نفسها‪ ،‬تلجأ لحديث النفس‬                                                    ‫ابنيه بغضب‪ ،‬ولم ي ْل ِق‬
    ‫فتدافع عن عملها في المنزل‪،‬‬                                                 ‫عليهما تحية الصباح‬
  ‫وتخبرنا أن جاد يعطيها جز ًءا‬
  ‫من المرتب تكمل به مصروف‬
   94   95   96   97   98   99   100   101   102   103   104