Page 250 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 250

‫العـدد ‪32‬‬                         ‫‪248‬‬

                              ‫أغسطس ‪٢٠٢1‬‬                    ‫نيكينارون وأحرقوا جسدها‬
                                                             ‫بالنار»‪( .‬عمرو عبدالجليل‪،‬‬
     ‫الحريري الذي ته ّرأ‪،‬‬          ‫موكب الخيول والعبيد‬
 ‫واتسخ بالدماء والتراب‪..‬‬          ‫الرائع المزدحم عند باب‬                      ‫‪)2003‬‬
                                 ‫أكاديميتها»‪ ،‬وفي موضع‬      ‫من ناحية أخرى كانت لآراء‬
     ‫أمسكوا بإطار الثوب‬          ‫آخر يتهمه بقتلها بقوله‪:‬‬
 ‫المطرز وشدوا فلم ينخلع‪،‬‬       ‫«إن الأسقف تأهب سري ًعا‬        ‫داماسيوس ‪Damascius‬‬
                                   ‫أو قبل ذبيحة عذراء»‪.‬‬         ‫(‪538 -458‬م) العلامة‬
    ‫وكاد بطرس يقع فوق‬           ‫(‪)1946,1562,Gibbon‬‬               ‫الأثيني تأثي ًرا كبي ًرا في‬
   ‫هيباتيا من شدة الش ّدة‬       ‫كذلك الروائي الإنجليزي‬         ‫العصور القديمة‪ ،‬وكانت‬
                               ‫تشارلز كنجزلي ‪Charles‬‬
     ‫المباغتة‪ ،‬لكنه سرعان‬     ‫‪)1875 -1819( Kingsley‬‬          ‫أسا ًسا لكثير من المعلومات‬
  ‫ما عاد واستعاد توازنه‪،‬‬      ‫الذي كتب رواية عن هيباتيا‬        ‫التي وردت في الموسوعة‬
                               ‫سنة ‪1853‬م تدور أحداثها‬
     ‫ومضى يجر ذبيحته‪،‬‬          ‫وشخصياتها حول أحداث‬          ‫المعجمية البيزنطية المعروفة‬
  ‫ومن ورائه انحنى أتباعه‬      ‫العنف التي سادت النصف‬             ‫بسودا ‪ Suda‬والتقارير‬
                                ‫الأول من القرن الخامس‬
   ‫محاولين اقتناص رداء‬         ‫الميلادي‪ ،‬وهي الفترة التي‬     ‫التي كتبت بخصوص مقتل‬
 ‫هيباتيا‪ ..‬هيباتيا‪ ..‬أستاذة‬   ‫تلت إعلان المسيحية كديانة‬     ‫هيباتيا‪ ،‬فقد نسب مسؤولية‬
 ‫الزمان‪ ..‬النقية‪ ..‬المقدسة‪..‬‬      ‫الإمبراطورية الرومانية‬
                                                                ‫موتها إلى أتباع كيرلس‬
     ‫الربة التي عانت آلام‬           ‫الرسمية سنة ‪391‬م‪،‬‬        ‫وصورها شهيدة الهيلينية‪.‬‬
‫الشهيد‪ ،‬وفاقت بعذابها كل‬         ‫وكان فيها البابا كيرلس‬
                                                                      ‫((‪1990,chuvin‬‬
 ‫عذاب»‪ ،‬إلى أن يقول وهو‬            ‫بطرير ًكا للإسكندرية‪.‬‬         ‫على الجانب الآخر يري‬
    ‫يصور سماعه صرخة‬            ‫وينسب فيها أسباب مقتل‬       ‫المدافعون عن البابا والكنيسة‬
                                ‫هيباتيا إلى البابا كيرلس‪،‬‬         ‫أن موقف داماسيوس‬
  ‫امرأة عجوز شمطاء بأن‬          ‫وقد اتهم البعض الدكتور‬      ‫يرجع إلى إصدار الإمبرطور‬
‫يسحلوها‪« :‬انهالت الأيدي‬       ‫يوسف زيدان بأنه استعان‬       ‫يوستينيانوس (‪)565 -483‬‬
‫على ثوب هيباتيا فم ّزعته‪..‬‬                                   ‫قراره بإغلاق مدرسة أثينا‬
  ‫الرداء الحريري تنازعوه‬          ‫بها وكانت وحيه الأول‬      ‫الفلسفية‪ ،‬وكان داماسيوس‬
‫حتى انتزعوه عن جسمها‪،‬‬             ‫وإلهامه في كتابة رواية‬         ‫لا يزال فيها‪ ،‬ورأى في‬
                              ‫عزازيل‪ ،‬فأخذ عنها فكرتها‬         ‫ذلك عدا ًء للفكر اليوناني‪،‬‬
     ‫ومن بعده انتزعوا ما‬         ‫الجوهرية ونفس أبطالها‬       ‫فاستغل قصة مقتل هيباتيا‬
   ‫تحته من ملابس كانت‬             ‫الرئيسيين‪ ،‬ونفس خط‬        ‫ليظهر المسيحية وكأنها دين‬
   ‫تحيط بجسمها بإحكام‪.‬‬           ‫الاتهام للكنيسة والبابا‪.‬‬
‫كانوا يلت ّذون بنهش القطع‬     ‫فنجد يوسف زيدان يصف‬                             ‫الاجرام‪.‬‬
     ‫الداخلية ويصرخون‪،‬‬            ‫على لسان الراهب هيبا‬      ‫وقد صور المؤرخ الإنجليزي‬
    ‫وكانت العجوز تصرخ‬             ‫مشهد مقتل «هيباتيا»‪:‬‬
                                   ‫«تجمعوا فوق هيباتيا‪،‬‬        ‫إدوارد جيبون ‪Edward‬‬
         ‫فيهم كالمهووس‪:‬‬         ‫حين وقف بطرس ليلتقط‬          ‫‪)1794 -1737( Gibbon‬‬
   ‫اسحلوها! وكانت هناك‬           ‫أنفاسه‪ .‬امتدت إلى يدها‬     ‫في روايته النزاع بين الوثنية‬
 ‫كومة من أصداف البحر‪.‬‬            ‫يد مازعة‪ ،‬ثم امتدت أياد‬
  ‫لم أر أول من التقط منها‬         ‫أخرى إلى صدر ردائها‬           ‫والمسيحية في شخصية‬
    ‫واحدة‪ ،‬وجاء بها نحو‬                                       ‫هيباتيا الحكيمة‪ ،‬وكيرلس‬
    ‫هيباتيا‪ ،‬فالذين رأيتهم‬                                     ‫المتعصب الذي كان يغار‬

      ‫كانوا كثيرين‪ .‬كلهم‬                                        ‫من نجاح هيباتيا‪ ،‬وذلك‬
 ‫أمسكوا الصدف‪ ،‬وانهالوا‬                                           ‫من خلال قوله‪« :‬كان‬
                                                                  ‫ينظر بعين الغيرة إلى‬
   ‫على فريستهم‪ ..‬قشروا‬
    ‫بالأصداف جلدها عن‬
‫لحمها‪ ..‬علا صراخها حتى‬
   245   246   247   248   249   250   251   252   253   254   255