Page 252 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 252

‫العـدد ‪32‬‬                             ‫‪250‬‬

                                ‫أغسطس ‪٢٠٢1‬‬                          ‫عن السلطة المدنية‪ .‬وبهذه‬
                                                                  ‫الصدقات كان ُيلهب مشاعر‬
  ‫الحكمة»‪ .‬كما كتب ْت عنها‬               ‫سقراط الدارس‬             ‫الجماهير‪ .‬وهكذا كثر أتباعه‬
    ‫الشاعرة ماريا ذليسكا‬                                          ‫الذين تع ّصبوا لآرائه فكانوا‬
   ‫قصيدة «لن يقدر الموت‬          ‫قارئ الصلوات من ذبحها‪،‬‬          ‫ُيطيعون أوامره طاعة عمياء‪.‬‬
    ‫يو ًما‪ /‬أ ْن ُيميتها‪ /‬إنها‬   ‫ثم عكف الرهبان ‪-‬الأتقياء‬
  ‫قائمة هناك‪ ..‬بسكونها‪/‬‬          ‫القلب‪ -‬على تقطيع جسدها‬              ‫(طلعت رضوان‪)2014 ،‬‬
    ‫الموت لا يقدر أ ْن يميت‬      ‫مستمتعين بما يفعلون‪ .‬ثم‬           ‫هؤلاء هم من قتلوها سواء‬
                                 ‫راحوا يكشطون اللحم عن‬           ‫بتحريض مباشر منه أو غير‬
  ‫مثلها‪ /‬الموت يقدر فقط‪/‬‬        ‫العظم بمحا ٍر حاد الأطراف‪،‬‬         ‫مباشر من خلال خطبه في‬
     ‫أ ْن ُيبعثر هذا الزمن‪/‬‬       ‫ثم أوقدوا نا ًرا وقذفوا في‬
     ‫بعوالمه المرتجفة‪ /‬أما‬      ‫النار بأعضاء جسدها‪ ،‬وهي‬              ‫الكنيسة التي كانت تهيج‬
                                  ‫ترتعش بالحياة كما يقول‬          ‫الجماهير بضرورة التخلص‬
   ‫هي فستظل دائ ًما هي»‪.‬‬         ‫الفيلسوف برتراند راسل‪،‬‬           ‫من كل من هو وثني‪ ،‬سواء‬
      ‫(ميرفت عبدالناصر‪،‬‬                                           ‫كانوا الرهبان أم الرعاع هم‬
                 ‫‪)2005‬‬               ‫حتى تحول الجسد إلى‬            ‫من قتلوها‪ ،‬قتلوها فحسب‬
     ‫أ ًّيا كان ما حدث ومن‬       ‫رماد‪ ،‬وهم يتحلقون حوله‬            ‫دون حتى أن يكون عندهم‬
                                 ‫في مرح وحشي شنيع على‬
  ‫يتحمل مسؤولية مقتلها‪،‬‬                                                ‫أسباب قوية لهذا القتل‬
  ‫ما ذنب تلك الإنسانة أن‬             ‫حد تعبير ديورانت!»‪.‬‬           ‫والتنكيل‪ ،‬وقد قال الدكتور‬
                                 ‫كتب عنها الأديب الفرنسي‬
     ‫يتم قتلها بهذا الشكل‬                                            ‫إمام عبد الفتاح في كتابه‬
     ‫الوحشي الذي يجرد‬             ‫‪ Gille Menage‬فى كتابه‬              ‫نساء فلاسفة عن موتها‬
 ‫قاتليها من ثوب الإنسانية‬              ‫(الفلاسفة والنساء)‬          ‫الدموي‪« :‬اعترض ْت جماعة‬
  ‫مثل ثيابها التي جردوها‬                                         ‫من رهبان صحراء النطرون‪،‬‬
 ‫منها‪ .‬حتى وإن كان البابا‬           ‫قصيدة قال فيها «لا بد‬           ‫الذين قضوا في الصحراء‬
  ‫كيرلس غير مسؤول عن‬                ‫لكل من يشاهد ويتأمل‬            ‫سنوات طويلة‪ ،‬يصارعون‬
‫مقتلها؛ لماذا لم يقم بردعهم‬      ‫بيتك الطاهر‪ /‬الخالي تما ًما‬          ‫قوى الشر كما يقولون‪،‬‬
 ‫وإيقافهم عن عدم التنفيذ‪،‬‬          ‫من كل زخرف أو زينة‪/‬‬                ‫ويديرون معركة صراع‬
 ‫فالأمر أخذ وقتًا وساعات‬           ‫أ ْن ينشغل بأمر الثقافة‪/‬‬       ‫باطني ضد شهوات الجسد‪،‬‬
   ‫حتى يتم الانتهاء تما ًما‬                                            ‫اعترضوا عربة هيباتيا‬
  ‫من مقتلها‪ ،‬كان يمكن أن‬              ‫ح ًّقا لقد انشغل ِت أن ِت‬  ‫بإيعاز من كبيرهم «كيرلس»‪،‬‬
 ‫يمنعهم وكانوا سيمتثلون‬            ‫بالسماء‪ /‬هيباتيا‪ ..‬أيتها‬      ‫فأوقفوها وأنزلوا الفيلسوفة‬
                                ‫المرأة الحكيمة‪ /‬لغتك عذبة‪..‬‬       ‫الشابة الجميلة‪ ..‬ثم جروها‬
       ‫له‪ .‬لماذا لم يقتلوها‬         ‫ونجمك متألق فى سماء‬          ‫إلى كنيسة «قيصرون»‪ ،‬حيث‬
    ‫‪-‬فحسب‪ -‬مرة واحدة‬                                               ‫تق ّدمت مجموعة من هؤلاء‬
  ‫بد ًل من قتلها حية مرات‬                                         ‫الرهبان‪ ،‬وقاموا بنزع ثيابها‬
‫ومرات‪ .‬ما ضرهم لو أنهم‬                                             ‫حتى تجردت من ملابسها‬
    ‫قتلوها بعد محاكمتها‪،‬‬
     ‫محاكمة عادلة أو غير‬                                                ‫لتصبح عارية‪ .‬وتقدم‬
  ‫عادلة؛ لا يهم‪ ،‬على الأقل‬                                          ‫«بطرس» قارئ الصلوات‬
     ‫كانت ستموت بثيابها‬                                              ‫في الكنيسة وقام بذبحها‬
    ‫وتدفن كما يليق بعالمة‬                                         ‫وهي عارية! وقد أمسك بها‬
                                                                 ‫مجموعة من الرهبان؛ ليتمكن‬
           ‫وامرأة فاضلة‬
   247   248   249   250   251   252   253   254   255   256   257