Page 136 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 136

‫العـدد ‪34‬‬                                       ‫‪134‬‬

                                                             ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬

 ‫وتحصيل خيراتها‪ ،‬في مقابل ذلك‬            ‫العملية بالفضائل التي أصولها‬                                           ‫المنظور الفلسفي‬
     ‫يتحتم عليه صيانة نفسه من‬                                                                                 ‫للأخلاق عند ابن سينا‬
                                         ‫العفة والشجاعة والحكمة والعدالة‬
 ‫الرذائل والشبهات‪ ،‬وقد ع َّدد ابن‬                                                                                ‫إن ما سأعرضه حول المنظور‬
    ‫سينا تلك الفضائل في رسالته‬           ‫المنسوبة إلى كل قوة من قواه‬                                           ‫الفلسفي للأخلاق عند ابن سينا‬
   ‫التاسعة‪ ،‬وهي التي بواسطتها‬
        ‫تكتمل قوة المسلم العملية‬         ‫وتجنب الرذائل التي بإزائها»(‪.)6‬‬                                         ‫لا يشمل جميع ما وصلنا من‬
    ‫ولخصها في العفة والشجاعة‬                                                                                       ‫آثاره في هذا المجال‪ ،‬ولكنها‬
                                         ‫تتأسس النظرة الفلسفية للأخلاق‬
  ‫والحكمة والعدالة وهي الأصول‬                                                                                   ‫عينات مأخوذة من أمهات كتبه‬
 ‫الأربعة للأخلاق عنده‪ ،‬فهو مثلا‬          ‫عند ابن سينا على تزكية النفس‬                                           ‫ومقالاته ومصنفاته ورسائله‪،‬‬
  ‫ُي َع ِّر ُف العفة قائ ًل‪« :‬العفة وسط‬                                                                         ‫ولعل أقربها إلى موضوعنا هذا‬
                                         ‫بالفضائل والمكرمات‪ ،‬وتربيتها‬                                           ‫كتاب السياسة ومدونة الشفاء‬
     ‫بين الشره وما أشبهه‪ ،‬وبين‬                                                                                   ‫ورسائل ابن سينا وبالتحديد‬
              ‫خمود الشهوة»(‪.)9‬‬           ‫على السمو بذاتها عن الشهوات‬                                         ‫رسالة العهد ورسالة علم الأخلاق‬
                                                                                                               ‫وهي الرسالة التاسعة‪ ،‬وديوانه‬
    ‫وأما القناعة فإنها تشكل قيمة‬         ‫الخسيسة والملذات الرخيصة‪،‬‬                                               ‫الشعري الذي أودعه عصارة‬
     ‫خلقية وتصور نفسية المسلم‬                                                                                    ‫تجاربه‪ ،‬وقد أخرجه الدكتور‬
‫الزكية الطاهرة التقية غير المنقادة‪،‬‬      ‫فلا تتحصل كمالها الأخلاقي‬                                              ‫حسين علي محفوظ عام ‪1957‬‬
   ‫مجسدة القوة النفسية العاقلة‪،‬‬                                                                                  ‫بطهران‪ ،‬ويحوي جماع رؤاه‬
‫ويعرفها ابن سينا بقوله‪« :‬القناعة‬         ‫سوى بالحكمة والمعرفة ومدارسة‬                                         ‫الدينية والأدبية والسياسية‪ ،‬وفي‬
   ‫وسط بين الحرص والاستهانة‬                                                                                    ‫هذا الإطار‪ ،‬أتساءل حول ماهية‬
‫بتحصيل الكفاية وهي التي تسمى‬             ‫العلوم لأن «جوهر النفس غير‬                                          ‫الأخلاق عند ابن سينا وحدودها‪،‬‬
                                                                                                                 ‫والغاية من وجودها وشروط‬
                 ‫بالانحلال»(‪.)10‬‬         ‫مخالط ولا مشاوب‪ ،‬وإنما‬                                                 ‫تحقيقها من منظورين‪ :‬منظور‬
  ‫يحيل التعريفان م ًعا إلى قيمتين‬
‫أخلاقيتين رفيعتين‪ ،‬كما يجسدان‬            ‫يدنسها الهيئة الانقيادية لتلك‬                                             ‫ميتافيزيقي‪ ،‬ومنظور عملي‪.‬‬
 ‫فكرة السلوك المدني التي يتحول‬                                                                                 ‫خصص ابن سينا رسالة كاملة‬
   ‫الفرد المسلم بموجبها من كائن‬                              ‫الصواحب»(‪.)7‬‬
   ‫بيولوجي شهواني إلى شخص‬                                                                                           ‫لعلم الأخلاق هي الرسالة‬
  ‫مخلّق ومتمدن‪ ،‬يزيل عن نفسه‬             ‫يقول ابن سينا في عينيته‬                                              ‫التاسعة‪ ،‬وقد اختزل فيها نظرته‬

                                         ‫الشهيرة حول حقيقة النفس‬                                                             ‫لهذا العلم بقوله‪:‬‬
                                                                                                                ‫«إن المعتني بأمر نفسه‪ ،‬المحب‬
                                                             ‫الإنسانية‪:‬‬                                        ‫لمعرفة فضائله‪ ،‬وكيفية اقتنائها‬
                                         ‫َه َب َط ْت إل ْي َك من ال َم َح ّل الأرف ِع‬                        ‫لتزكو بها نفسه‪ ،‬ومعرفة الرذائل‬
                                             ‫و َت َم ُّن ِع‬  ‫َو ْر َقا ُء ذا ُت ت َع ُّز ٍز‬                  ‫وكيفية توقيها لتتطهر منها نفسه‬
                                         ‫مقل ِة عار ٍف‬       ‫محجوب ٌة عن ك ِّل‬                               ‫المؤثر لها أن تسير بأقسى السير‪،‬‬
                                           ‫ووهَ َصيَل اْتلتعيلى َسُكَف ْرَر ٍه ْتإليو َلكموت ُتربَّبرماق ِع‬  ‫فيكون قد وفى إنسانيته حقها من‬
                                         ‫ك ِر َه ْت فرا َق َك وه َي ذات ت َف ُّج ِع(‪)8‬‬                        ‫الكمال المستعد للسعادة الدنيوية‬
                                                                                                                 ‫والأخروية‪ ،‬يجب عليه تكميل‬
                                             ‫هذه النفس التي هبطت من‬                                             ‫قوته النظرية بالعلوم المحصاة‬
                                                                                                              ‫المشار إلى غاية كل واحد منها في‬
                                         ‫السماوات العلى إلى الأرض الدنيا‪،‬‬                                    ‫كتب إحصاء العلوم‪ ،‬وتكميل قوته‬

                                         ‫واستوطنت بدن الإنسان‪ ،‬هي‬

                                                             ‫التي‬

                                                             ‫يستوجب‬

                                                                          ‫على‬

                                                             ‫المسلم أن‬

                                                             ‫يعرفها‬
                                                             ‫و ُيز ِّكيها‪،‬‬
                                                                 ‫وأن‬

                                                             ‫يحرص‬

                                                             ‫على تعلم‬

                                                             ‫كيفية‬

                                                             ‫اكتساب‬

                                                             ‫فضائلها‪،‬‬
   131   132   133   134   135   136   137   138   139   140   141