Page 139 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 139

‫‪137‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

  ‫وعلانيتها‪ ،‬وتتحقق للنفس هذه‬                          ‫َت ْص ِدي َق الَّذي َب ْي َن َي َد ْي ِه َو َت ْفصي َل‬                   ‫الذي كابده في سعيه وجهاده‪،‬‬
    ‫المزايا الخلقية «بعد أن تهجر‬                          ‫ُيُكو ِّل ِم ُن َوش َْني»ء(‪1َ 8‬و) ُ‪.‬هد ًى َو َر ْح َم ًة لِ َق ْو ٍم‬
                                                          ‫‪ -‬الإضاءة الثانية‪ :‬السعادة‬                                                        ‫وكذلك المرأة حين تجتمع مع‬
 ‫الكذب قو ًل وتخي ًل حتى تحدث‬                              ‫الإنسانية لا تتم إلا بإصلاح‬
    ‫للنفس هيئة صدوقة فيصدق‬                               ‫الجزء العملي من النفس‪ ،‬وذلك‬                                                        ‫زوجها‪ ،‬وتستقبل عند المساء‬
            ‫الأحلام والفكر»(‪.)21‬‬                         ‫بأن تحصل ملكة التوسط بين‬
    ‫ويلامس ابن سينا في تصديه‬                               ‫الخلقين الضدين‪ ،‬وأما ملكة‬                                                        ‫رفيق حياتها»(‪.)16‬‬
                                                         ‫التوسط فالمراد منه التنزيه عن‬
  ‫لقيمتي الصدق والكذب المدلول‬                                                                                                       ‫َبيِّ ٌن أن سياسة المرء لنفسه‬
‫الديني الذي نستشعره في العديد‬                          ‫الهيئات الانقيادية وتبقية النفس‬                                          ‫وسياسته لأهله وخدمه وزوجه‬
                                                               ‫الناطقة على ِجبِلَّتها»(‪.)19‬‬                                     ‫ح َّما َلة قيم أخلاقية رفيعة مثل‬
   ‫من الآيات القرآنية والأحاديث‬                                                                                                  ‫التساكن والتعايش والتوازن‬
                       ‫النبوية‪.‬‬                          ‫تربط الإضاءة الثانية السعادة‬
                                                             ‫بتقويم النفس عمليًّا‪ ،‬وهو‬                                          ‫وحفظ الغذاء وعدم التبذير تجعل‬
 ‫إن الشريعة التي وردت في المتن‬
‫يقصد بها الملة والدين وتطلق على‬                         ‫شرط يكرس فلسفة الأخلاق في‬                                                ‫السياسة عند ابن سينا جز ًءا من‬
‫الشرعة في الدين‪ ،‬وعلى المنهاج في‬                                             ‫الإسلام‪.‬‬                                           ‫الأخلاق وذات صلة وثيقة بالواقع‬
‫الطريق‪ ،‬بقوله تعالى‪« :‬لِ ُك ٍّل َج َع ْل َنا‬
                                                             ‫ثانيا قيمة رحابة الباع‪:‬‬                                            ‫الاجتماعي المعاش‪ ،‬وهو نفس‬
      ‫ِم ْن ُك ْم ِش ْر َع ًة َو ِم ْن َها ًجا»(‪.)22‬‬    ‫يضفي ابن سينا أبعا ًدا أخلاقية‬
  ‫كما أن الحدود الكلية المشتركة‬                       ‫على هذه القيمة لكونها تنقل الفرد‬                                          ‫التوجه الفلسفي للسياسة عند‬
    ‫في الأديان والشرائع عند ابن‬                         ‫من مجرد قوة شهوانية إلى قوة‬
                                                      ‫عاقلة‪ ،‬حيث يلح خلالها على فكرة‬                                             ‫أرسطو لأنهما م ًعا يتنكبان عن‬
      ‫سينا كانت محل تناول من‬                                                                                                    ‫الخوض في تحليلات ميتافيزيقية‬
    ‫طرف الإمام الشهرستاني في‬                              ‫الجوهر في تقريبنا من مدلول‬
‫كتابه «الملل والنحل» وذلك حينما‬                       ‫هذه القيمة الخلقية بقوله‪« :‬معناها‬                                         ‫مجردة حول الأخلاق والسياسة‪.‬‬
 ‫قال‪« :‬ولما كانت الأسرار الإلهية‬
                                                       ‫ألا يدع قوة التجلد في عند ورود‬                                                       ‫كما نستشف الخلفية الدينية‬
      ‫والأنوار الربانية في الوحي‬                            ‫الأحداث المهمة على الإنسان‬
 ‫والتنزيل والمناجاة والتأويل على‬                                                                                                            ‫حاضرة بجلاء في النصوص‬
‫مراتب ثلاث‪ :‬مبدأ ووسط وكمال‪،‬‬                              ‫واختلاجها في قلبه إِ ْن بشهو ٍة‬
  ‫والمجيء أشبه بالمبدأ‪ ،‬والظهور‬                          ‫أو غض ٍب أو حر ٍص أو طم ٍع أو‬                                          ‫الفلسفية التي تطرق فيها ابن‬
 ‫بالوسط‪ ،‬والإعلان بالكمال‪ ،‬عبَّر‬                        ‫خو ِف مخالفة جوهره الزكي إلا‬
‫التوراة عن طلوع صبح الشريعة‬                             ‫فسخ ُه ومسخ ُه و َم َحا َه و َم َّح َق ُه‪،‬‬                              ‫سينا لبعض القيم الأخلاقية مثل‬
 ‫والتنزيل بالمجيء على طورسينا‪،‬‬                           ‫ولا يدع فكره في نسخة نفسه‬
                                                          ‫وتخيلاتها تتعاطى إلى الفكرة‬                                           ‫السعادة والعفة والقناعة ورحابة‬
    ‫وعن طلوع الشمس بالظهور‬
 ‫على ساعير‪ ..‬وقد قال المسيح في‬                             ‫إلا في جلال الملكوت وجناب‬                                                        ‫الباع‪ ،‬ومعالم هذه الخلفية‬
  ‫الإنجيل‪ :‬ما جئ ُت ل ُأ ْبط َل التورا َة‬                               ‫الجبروت»(‪.)20‬‬
                                                                                                                                            ‫متضمنة في قيمتين‪:‬‬
           ‫َب ْل ِج ْئ ُت لأكملها»(‪.)23‬‬                 ‫ويمضي بنا ابن سينا في عرض‬                                                           ‫أو ًل قيمة السعادة‪:‬‬
                                                           ‫حد قيمة رحابة الباع‪ ،‬ملزما‬
    ‫رهان التخليق‬                                                                                                                ‫‪ -‬الإضاءة الأولى‪ :‬سعادة النفس‬
    ‫عند ابن سينا‬                                       ‫النفس بأن تطبق عليها الوصاية‬
                                                        ‫أو الحجر‪ ،‬حتى تلين وتستقيم‪،‬‬                                             ‫من منظور ابن سينا في كمال‬
 ‫انخرط ابن سينا في بلورة رؤية‬                            ‫وتصير مطواعة صادقة زكية‪،‬‬
  ‫فلسفية تطمح في تحويل ما هو‬                                                                                                    ‫ذاتها من الجهة التي تخصها هي‬
  ‫كائن إلى ما يجب أن يكون على‬                             ‫تتحرى الواجب والصواب في‬                                               ‫صيرورتها عالمًا عقليًّا وسعادتها‬
                                                          ‫حركاتها وسكناتها‪ ،‬في سرها‬                                                         ‫من جهة العلاقة التي بينها‬

                                                                                                                                ‫وبين البدن أن تكون لها الهيئة‬

                                                                                                                                            ‫الاستعلائية «(‪.)17‬‬

                                                                                                                                ‫تطلعنا الإضاءة الأولى على صنف‬

                                                                                                                                ‫السعادة الخالدة التي بها تحقق‬

                                                                                                                                ‫النفس الكاملة سعادتها الأبدية‪،‬‬

                                                                                                                                ‫وقد حث القرآن الكريم في أكثر‬

                                                                                                                                            ‫من موضع على فوائد التدبر‬
                                                                                                                                ‫وإعمال العقل لقوله تعالى‪َ « :‬ل َق ْد‬
                                                                                                                                            ‫َق َص ِص ِهم ِع ْب َر ٌة ِ ُلولي‬  ‫َكا َن ِف‬
                                                                                                                                ‫و َل ِك ْن‬  ‫ما كا َن َح ِديثًا ُي ْف َت َرى‬   ‫ال َأ ْل َبا ِب‬
   134   135   136   137   138   139   140   141   142   143   144