Page 138 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 138

‫العـدد ‪34‬‬                                    ‫‪136‬‬

                                         ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬                             ‫التي يجب أن تهيمن في الدولة‬
                                                                                 ‫والمجتمع م ًعا‪ ،‬يقول ابن سينا‪:‬‬
          ‫سبب اتخاذ الأهل»(‪.)15‬‬           ‫معالم الخلفية الدينية‬                 ‫«ذلك أن أكثر هذه الفضائل هو‬
    ‫يجسد النص الحكمة المنزلية‬              ‫لأطروحة ابن سينا‬                     ‫الوسائط بين الرذائل والفضيلة‬
     ‫في شقها العملي‪ ،‬القائمة على‬                                               ‫منها وسط بين الرذيلتين اللتين‬
                                           ‫ينبني الطرح المعرفي للممارسة‬
      ‫تدبير المسلم لشؤون منزله‬              ‫العملية للأخلاق عند ابن سينا‬           ‫هما كالإفراط والتفريط»(‪.)13‬‬
  ‫تدبي ًرا سياسيًّا وخلقيًّا ينزع في‬     ‫على خلفية دينية تستمد مقاصدها‬            ‫في ضوء هذه المعطيات‪ ،‬يمكن‬
    ‫ضوئه إلى تخليق نمط العيش‪،‬‬              ‫وأسسها النظرية من الشريعة‪،‬‬           ‫القول إن علم الأخلاق عند ابن‬
                                         ‫فكل علم من العلوم العملية سواء‬         ‫سينا جزء من الفلسفة العملية‪،‬‬
        ‫على أساس حفظ المخزون‬             ‫تدبير الإنسان لنفسه أو سياسته‬
 ‫الغذائي وتخزينه وتدبير شؤون‬                ‫لزوجته أو لمنزله يدور في فلك‬             ‫وتتعلق بما ينتظم به حال‬
   ‫الغذاء تدبي ًرا عقلانيًّا لا أثر فيه‬  ‫الدين‪ ،‬يقول في هذا الشأن‪« :‬فلما‬       ‫الشخص الواحد في زكاء نفسه‪،‬‬
 ‫للإسراف والتبذير‪ ،‬وهدا ينسجم‬                ‫اتخذ المساكن والمنزل وأحرز‬
  ‫مع روح الإسلام‪ ،‬في دعوته إلى‬              ‫القنية احتاج إلى حفظهما ممن‬             ‫وزكاء النفس يكون لذاتها‪،‬‬
‫الاستخلاف والتساكن الاجتماعي‬                 ‫يريدها ومنعها عمن يرومها‪،‬‬        ‫ويشترك هذا العلم مع علم تدبير‬
 ‫المبني على المودة والخير والمحبة‪.‬‬        ‫فلو أنه قام على القنية حاف ًظا لها‬
                                         ‫راص ًدا طلابها قبل أن يزيد فيها‪،‬‬       ‫المنزل وعلم السياسة في الغاية‬
     ‫هذه السياسة الأخلاقية التي‬          ‫فإذا اقتنى ثانية عادت حاجته إلى‬              ‫المثلى وهي معرفة الخير‪.‬‬
   ‫نلامسها في نص ابن سينا هي‬              ‫حفظها‪ ،‬فلا يزال ذلك دأبه حتى‬
    ‫نفسها تشكل الفلسفة الخلقية‬             ‫يصير في مثل حيز البهيمة التي‬          ‫ويكتسي مفهوم الوسطية عند‬
                                             ‫تسعى إلى مرعاها مع حدوث‬              ‫ابن سينا بع ًدا أخلاقيًّا عمي ًقا‬
     ‫للزواج في الإسلام كما بينها‬             ‫حاجتها‪ ،‬فاحتاج عند ذلك إلى‬           ‫يشمل ميدان الفضائل‪ ،‬حيث‬
   ‫لنا أستاذ الدراسات الإسلامية‬           ‫استخلاف غيره على حفظ قنيته‪،‬‬               ‫يصبح الإقبال المعتدل على‬
 ‫بجامعة الملك عبد العزيز عبد الله‬           ‫فلم يصلح لخلافته في ذلك إلا‬
    ‫ناصح علوان بقوله‪« :‬بالزواج‬            ‫من تسكن نفسه إليه‪ ،‬ولم تسكن‬           ‫الشهوات والانفعالات وشؤون‬
‫تنمو روح المودة والرحمة والألفة‬            ‫النفس إلا إلى الزوج الذي جعل‬        ‫التدبير السياسي علامة الإنسان‬
   ‫ما بين الزوجين‪ ،‬فالزوج حين‬               ‫ذكره للرجل سكنا‪ ،‬وكان ذلك‬         ‫الفاضل‪ ،‬ذلك أن «الفضائل ثلاثة‪:‬‬
‫يفرغ آخر النهار من عمله‪ ،‬ويركن‬                                                 ‫هيئة التوسط في الشهوانية مثل‬
                                                                                ‫لذة المنكوح والمطعوم والملبوس‬
     ‫عند المساء إلى بيته‪ ،‬ويجتمع‬
‫بأهله وأولاده‪ ،‬ينسى الهموم التي‬                                                  ‫والراحة وغير ذلك من اللذات‬
‫اعترته في نهاره‪ ،‬ويتلاشى التعب‬                                                ‫الحسية والوهمية‪ ،‬وهيئة التوسط‬

                                                                                ‫في الغضبيات كلها مثل الخوف‬
                                                                                              ‫والغضب والغم‬
                                                                                              ‫والأنفة والحقد‬
                                                                                               ‫والحسد وغير‬
                                                                                                 ‫ذلك‪ ،‬وهيئة‬
                                                                                                  ‫التوسط في‬

                                                                                           ‫التدبيرية‪ .‬ورؤوس‬
                                                                                            ‫هذه الفضائل عفة‬
                                                                                            ‫وحكمة وشجاعة‪،‬‬
                                                                                           ‫ومجموعها العدالة‬

                                                                                                ‫وهي خارجة‬
                                                                                                 ‫عن الفضيلة‬
                                                                                                 ‫النظرية»(‪.)14‬‬
   133   134   135   136   137   138   139   140   141   142   143