Page 71 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 71

‫‪69‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

                        ‫يقترب منها قائ ًل في أسى‪:‬‬        ‫‪ -‬نفسية‪ ،‬نفسية‪ ،‬هذه تقليعة جديدة زادت عن الحد في‬
   ‫‪ -‬روبرت في حالة ضيق شديدة‪ ،‬إنه ينوي أن يترك‬            ‫هذه الأيام‪ ،‬كل حالة لا تعرفون علاجها‪ ،‬ترجعونها إلى‬

                          ‫لندن وربما إنجلترا كلها‪.‬‬                                          ‫الطب النفسي‪.‬‬
                                      ‫‪ -‬خسارة‪.‬‬           ‫ينظر الطبيب إليه في ضيق‪ ،‬ثم ينظر إلى إليزابيث قائ ًل‪:‬‬

                        ‫‪ -‬لقد حدثته عن ِك بالأمس‪.‬‬                 ‫‪ -‬سوف آتي لزيارتك بعد يومين‪ ،‬عن أذنك‪.‬‬
    ‫تحاول إليزابيث أن تقترب من جون قائلة باهتمام‪:‬‬                                                    ‫‪...‬‬

                            ‫‪ -‬وماذا قال لك عني؟‬           ‫يقف الشاعر روبرت بروننج أمام صديقه جون قائ ًل‪:‬‬
                         ‫يبتعد جون‪ ،‬وينظر بعي ًدا‪:‬‬           ‫‪ -‬أكاد أجن‪ ،‬ديوان شعري الأخير لم يهتم به أحد‪،‬‬
          ‫‪ -‬هو في حاجة لمن يعيد إليه ثقته في نفسه‪.‬‬
                                                         ‫والذي اهتم هاجمني بشدة‪ ،‬اسمع ماذا يقول‪ :‬الشعر في‬
                              ‫تتنهد في أسى قائلة‪:‬‬         ‫الديوان قاتم وغامض وتحس بثقله كأنه يكتم أنفاسك‪،‬‬
 ‫‪ -‬أنا المقعدة اليائسة من الشفاء‪ ،‬أستطيع أن أعيد الثقة‬
                                                             ‫كأن حبر روبرت بروننج قد جف داخل قلمه وهو‬
                                       ‫لإنسان؟!‬                                                    ‫يكتب‪.‬‬
  ‫‪ -‬أن ِت وهو في حاجة لبعض‪ ،‬أنا أفهم في الشعر جي ًدا‪،‬‬
                                                          ‫‪ -‬هذا رأي ناقد واحد‪ ،‬وستجد ‪-‬لا شك‪ -‬بعض الذين‬
             ‫وتستطيعان م ًعا أن تحققا نحا ًحا كبي ًرا‪.‬‬                                  ‫يعجبون بأشعارك‪.‬‬
                                             ‫‪...‬‬
                                                            ‫‪ -‬لا‪ ،‬لا‪ ،‬فقد أرسل لي الناشر بأنه لن ينشر لي كتا ًبا‬
  ‫يقرأ روبرت رسالة إليزابيث‪ :‬أنا لم أشعر بشاعر كما‬        ‫ثانية‪ ،‬لأنني سأخرب بيته‪ ،‬فالديوان لم يبع سوى عدد‬
   ‫شعرت بك أنت‪ ،‬إنني أحفظ كلماتك المضيئة وأرددها‬
 ‫في حجرتي التي قلما أخرج منها‪ ،‬أستعيدها بيني وبين‬                                       ‫محدود من النسخ‪.‬‬
                                                           ‫‪ -‬روبرت‪ ،‬أنت صديق عزيز‪ ،‬وأنا أتابع أشعارك منذ‬
        ‫نفسي في سعادة‪ ،‬وكأنني أستعيد أغنية حلوة‪.‬‬
‫يسمع روبرت دقات على الباب‪ ،‬فيضيق بالقادم دون أن‬                   ‫زمن بعيد‪ ،‬وأؤكد لك أنك فنان حقيقي‪ ،‬لكن‪..‬‬
                                                                          ‫‪ -‬لماذا سك َّت‪ ،‬ماذا بعد ولكن هذه؟!‬
        ‫يعرف من هو‪ ،‬فيردد لنفسه‪ :‬يوه‪ ،‬أهذا وقته؟!‬
                     ‫يدخل جون إليه مرد ًدا بعتاب‪:‬‬          ‫‪ -‬تنقصك الحيوية‪ ،‬أنت عازل نفسك عن الناس وعن‬
                            ‫‪ -‬ألا تريد زيارتي لك؟‬        ‫الحياة وتستقي موضوعاتك من الكتب وحدها‪ ،‬والكتب‬

 ‫‪ -‬لقد أيقظتني من حلم جميل‪ .‬كلمات كالبلسم الشافي‬           ‫وحدها لا تكفي يا عزيزي‪ .‬روبرت‪ ،‬أعمالك بلا روح‪.‬‬
                              ‫مرت فوق جروحي‪.‬‬                                  ‫يشعر روبرت بالأسى‪ ،‬فيقول‪:‬‬
                             ‫‪ -‬رسالة من معجبة؟‬
                                                           ‫‪ -‬أفكرفي ترك لندن وإنجلترا كلها‪ ،‬لقد سئمت الحياة‬
‫‪ -‬لدي إحساس إنها قريبتك التي حدثتني عنها من قبل‪.‬‬                                                    ‫فيها‪.‬‬
   ‫‪ -‬من‪ ،‬إليزابيث باريت‪ ،‬ابنة عمتي‪ ،‬أعطني رسالتها‪.‬‬
                       ‫يقرأ جون رسالتها فيصيح‪:‬‬                 ‫‪ -‬ليس لهذه الدرجة‪ ،‬إنني أعرف شاعرة مغرمة‬
                    ‫‪ -‬إنها هي‪ ،‬هي إليزابيث باريت‪.‬‬                           ‫بأشعارك‪ ،‬وتعتبرك مثلها الأعلى‪.‬‬
                        ‫‪ -‬أشعارها أعجبتني كثي ًرا‪.‬‬
                            ‫يقترب جون منه قائ ًل‪:‬‬              ‫‪ -‬من هذه المجنونة التي شذت عن معظم القراء؟‬
        ‫‪ -‬سعيد لأنها خرجت من عزلتها وكتبت إليك‪.‬‬                ‫‪ -‬هي إلزابيث باريت ابنة عمتي‪ ،‬شاعرة مجيدة‪.‬‬
                                     ‫‪ -‬أية عزلة؟‬
                                                                                                      ‫‪...‬‬
‫‪ -‬كانت إليزابيث منطلقة‪ ،‬لا تهدأ‪ ،‬كانت تملأ الجو مر ًحا‬          ‫يقترب جون من إليزابيث النائمة فوق فراشها‪:‬‬
‫وسعادة‪ ،‬لكن جوا ًدا ملعو ًنا ألقاها من فوقه‪ ،‬فأقعدها في‬
                                                                    ‫‪ -‬إليزابيث‪ ،‬ابنة عمتي الغالية‪ ،‬كيف حالك؟‬
                                        ‫فراشها‪.‬‬                                          ‫تضحك إليزابيث‪:‬‬
                                  ‫‪ -‬يا للمسكينة‪.‬‬
                               ‫يصيح جون فجأة‪:‬‬                          ‫‪ -‬أوه‪ ،‬جو الجميل أمامي‪ ،‬ما أسعدني‪.‬‬
                                                          ‫‪ -‬أسعد عندما أراك تضحكين‪ ،‬أتقرئين ديوان روبرت‬

                                                                                          ‫بروننج الأخير؟‬
                                                         ‫‪ -‬عندما اقرأ أشعاره أحس بأنني أعرفه عن قرب‪ ،‬ومنذ‬

                                                                                              ‫وقت طويل‪.‬‬
   66   67   68   69   70   71   72   73   74   75   76