Page 66 - حلقة دراسية - نهائية
P. 66

‫وفي يوٍم من الأيام‪ ،‬قال أبو قير لصديقه أبي صير‪“ :‬أليس من ال ُمحزن‪ ،‬يا صديقي‪ ،‬أن أصير إلى هذا الحد من‬
‫البؤس والفقر‪ ،‬وأنا أمهر العاملين في صباغة الأقمشة‪ ،‬وأحسن صباغ يتقن مزج الألوان في الإسكندرية كلها‪ .‬إني آخذ‬

                              ‫الثياب باهتة اللون‪ ،‬وبعد أن أصبغها تخرج من بين يدي ازهي ًة ب ارق ًة‪ ،‬تُسر الناظرين”‪.‬‬

  ‫تابع أبو قير كلامه‪“ :‬وأما أن َت يا صديقي أبا صير‪ ،‬فإنك حلاق ماهر‪ ،‬خفيف اليد‪ ،‬ولكن زبائنك قليلون‪ ،‬وإذا بقي َت‬
‫قان ًعا بما أنت عليه‪ ،‬فستظل قليل المال‪ ،‬فقير الحال‪ .‬هيا بنا نرحل عن هذه المدينة‪ ،‬إلى مكا ٍن آخٍر‪ ،‬نجد فيه الزبائن‬

   ‫الأغنياء الذين ُيقدرون مهارتك ومهارتي‪ ،‬فنكس ُب من عملنا مالاً وفيًار ونصبح بعد وق ٍت قصيٍر من الأغنياء”‪ .‬فكر‬
  ‫الحلاق أبو صير في كلام صديقه الصباغ أبي قير‪ ،‬واقتنع به‪ .‬فاتفقا على أن ُيهاج ار م ًعا من المدينة‪ ،‬ويتشاركا في‬

      ‫كل ما يكسبانه من عمليهما‪ ،‬وأن يتقاسماه م ًعا في أمان ٍة وصد ٍق‪ .‬وَعِلَم الصديقان أن سفين ًة كبيرًة ستغادر ميناء‬
                                                                 ‫المدينة بعد أيا ٍم قليل ٍة‪ ،‬وستُبحر إلى بلاٍد عديدٍة‪.‬‬

      ‫انضم أبو قير وأبو صير إلى ال ُمسافرين على ظهر السفينة‪ ،‬وكان عددهم كبيًار‪ ،‬بعضهم تجار ُيسافرون ليجلبوا‬
 ‫بضائع وسل ًعا متنوع ًة‪ ،‬وبعضهم ُعمال ُيسافرون بحثًا عن عم ٍل في أي بلٍد من البلاد‪ ،‬وبعضهم ُيسافر سائ ًحا ُمتفرًجا‬

   ‫على بلاد الله الواسعة‪ .‬حيث لم يلبث ال ُمسافرون أن تعرفوا بالحلاق أبي صير حتى أقبلوا عليه يقصون شعرهم‪ ،‬إذ‬
                                         ‫وجدوه حلاًقا ماهًار طيب القلب‪ ،‬رضي النفس؛ فأكرموه وأكثروا له العطاء‪.‬‬

  ‫وسارت السفينة في البحار‪ ،‬وكانت تنتقل من ميناٍء إلى ميناٍء‪ ،‬فينزل منها بعض ال ُمسافرين‪ ،‬ويصعد غيرهم مكانهم‪،‬‬
‫والحلاق النشيط ُيلبي رغبات ال ُمسافرين في قص شعرهم من دون كل ٍل أو مل ٍل‪ .‬وكان يقتسُم مع صديقه الصباغ كل ما‬

     ‫يكسبه من أجٍر على عمله‪ .‬ولما كان الصباغ يحب الأكل‪ ،‬فإن الحلاق كان يرغب إلى زبائنه في أن يكون أجره‬

                                         ‫طعا ًما وش ارًبا وفاكه ًة‪ ،‬ليتمكن صديقه الصباغ أن يأكل ما يحب ويشتهي‪.‬‬
 ‫عندما بلغت السفينة نهاية رحلتها‪ ،‬ورست في آخر ميناٍء في الرحلة‪ ،‬التفت ربانها إلى أبي صير وقال له‪“ :‬إنك رج ٌل‬
‫كريٌم ونشي ٌط‪ ،‬وإني أدعوك إلى البقاء معنا‪ ،‬تنتقل من بلٍد إلى بلٍد وتمارس عملك بين ركاب السفينة الذين يريدون قص‬

     ‫شعرهم‪ ،‬أو تخفيف لحاهم وشواربهم‪ ،‬وهكذا تكسب مالاً وتتفرج على بلاد الله الواسعة في وق ٍت واحٍد”‪ .‬فأجابه أبو‬

   ‫صير قائلاً‪“ :‬أشكرك أيها الربان على دعوتك‪ ،‬لكنني لا أستطيع تلبيتها لأنني ُمرتبط مع صديقي أبي قير على أن‬
  ‫نسافر م ًعا ونقيم م ًعا ونتاجر م ًعا ونتقاسم ما نكسب بالتساوي‪ ،‬وليس من الأمانة أن أنق َض الاتفاق أو أخلف الوعد‪،‬‬

                                                         ‫‪66‬‬
   61   62   63   64   65   66   67   68   69   70   71