Page 67 - حلقة دراسية - نهائية
P. 67

‫أو أترك صديقي أبي قير في بلاٍد غريب ٍة‪ ،‬لا يعرف فيها أحًدا‪ ،‬ولا يعرفه أحد"‪ .‬وبعد أن تجولا في ُطُرق المدينة‪،‬‬
                                               ‫وتعرفا بأشهر أحيائها‪ ،‬استأجر أبو صير غرف ًة أقام فيها مع رفيقه‪.‬‬

 ‫وفي اليوم التالي‪ ،‬ذهب أبو صير إلى سوق المدينة واتخذ مكاًنا له وبدأ ُيمارس مهنة الحلاقة‪ .‬وفي المساء‪ ،‬عاد إلى‬
                            ‫الغرفة حاملاً الطعام والفاكهة‪ ،‬فأكل رفيقه أبو قير كثيًار وبقي لأبي صير القليل القليل‪.‬‬

‫وبعد عدة أسابيع‪ ،‬شعر أبو صير بالتعب والإرهاق بسبب العمل المتواصل من غير ارح ٍة‪ .‬وما لبث أن وجد نفسه في‬

 ‫صباح يوٍم من الأيام مري ًضا‪ ،‬لا يستطيع القيام من ف ارشه من شدة الألم وارتفاع الح اررة‪ .‬وكان من الواجب أن يتولى‬
     ‫أبو قير خدمة رفيقه والإش ارف على إسعافه ومداواته وتوفير الطعام له‪ .‬ولكن أبا قير‪ ،‬بدلاً من ذلك‪ ،‬غافل رفيقه‬
                      ‫المريض الذي يتلوى من الألم‪ ،‬وسرق كيس النقود وأوهمه بأنه ذاهب لإحضار الدواء والطعام‪.‬‬

   ‫تجول أبو قير في ُطُرق المدينة وأسواقها‪ ،‬و ارقب الناس فيها‪ ،‬فلاحظ أنهم يلبسون ثياًبا بيضاء وسوداء‪ .‬وبينما كان‬
        ‫يشتري بعض الفاكهة من أحد الدكاكين‪ ،‬سأل البائع‪“ :‬لماذا لا تلبسون ثياًبا ملون ًة بألوا ٍن أخرى غير الأبيض‬

‫والأسود؟”‪ .‬فأجابه البائع‪“ :‬ليس في المدينة صباغ يتقن تلوين الثياب وسائر الأقمشة”‪ .‬عندئٍذ أرى أبو قير أن الفرصة‬

‫سانحة ليستفيد منها‪ ،‬فذهب إلى قصر السلطان وطلب مقابلته‪ .‬فلما أَذن السلطان لأبي قير بالدخول‪ ،‬روى لهُ قصته‪،‬‬
         ‫وقال إنه رجل غريب‪ ،‬قدم من الإسكندرية على ظهر سفين ٍة‪ ،‬وأنه يحسن صباغة الأقمشة الحريرية والقطنية‬

     ‫والصوفية‪ ،‬فيجعلها حم ارء وصف ارء وخض ارء وزرقاء‪ ،‬كما يريد صاحبها‪ ،‬وأنه على استعداٍد للقيام بعمله في هذه‬
 ‫المدينة وإفادة أبنائها من مهارته وخبرته‪ .‬اقتنع السلطان وساعد أبا قير في إنشاء مصبغ ٍة كبيرٍة‪ ،‬وأمر بأن تُشتَرى له‬
 ‫الأدوات اللازمة وأن يعمل عنده عدٌد من العمال‪ .‬وما كاد الناس يعرفون بأن مصبغة بدأت تعمل في مدينتهم‪ ،‬حتى‬

                                                 ‫أقبلوا عليها يصبغون أقمشتهم بالألوان الحم ارء والصف ارء وغيرها‪.‬‬
‫وهكذا أصبحت مصبغة أبي قير مقصد الناس ال ارغبين في الألوان الجديدة‪ ،‬وأصبح أبو قير غنًيا ِمن كثرة َما ربح من‬
‫عمله‪ .‬أما أبو صير‪ ،‬الرجل الطيب‪ ،‬فقد ظل في غرفته وحيًدا لا يشعر أحٌد بمرضه‪ .‬وبقي على هذه الحال عدة أيا ٍم‪،‬‬

  ‫إلى أن سمع أحد الجي ارن أنينه‪ ،‬فدخل عليه‪ ،‬فلما رآه على هذه الحال‪ ،‬أسرع فأحضر إليه طبيًبا فعالجه ووصف له‬
  ‫الدواء المناسب‪ .‬طالت إقامة أبي صير في غرفته‪ ،‬ولم يتماثل إلى الشفاء إلا بعد أسابيع عديدٍة‪ .‬وبالرغم من كل ما‬

  ‫حدث لأبي صير من أعمال أبي قير معه‪ ،‬فقد ظل يظن أن أبا قير وقع له حادث منعه من العودة إلى البيت‪ ،‬وأنه‬
                                                         ‫‪67‬‬
   62   63   64   65   66   67   68   69   70   71   72