Page 114 - merit 52
P. 114

‫العـدد ‪52‬‬                            ‫‪112‬‬

                                                                ‫أبريل ‪٢٠٢3‬‬

‫علاء الدين أحمد إبراهيم‬

‫(السودان)‬

‫في ال ِختام كانت الكلمة‬

          ‫بالجملة الأصلية التي بدت في صيغتها‬                           ‫(‪)1‬‬
                ‫الأخيرة «سأعبر الضفة الأخرى‬
                                                          ‫بتأتأة وارتباك فاضحين قد يقرأها «عبرت إلى‬
          ‫للحياة» بعبارة أخرى بدت حزينة على‬               ‫الضفة الأخرى للـ…” لكن ذلك لم يحدث قط‪،‬‬
                                   ‫نحو جميل‪.‬‬              ‫الأمر الذي ح َّز رقبة القد يقرأها هذه بمقصلة‬
                                                         ‫الظن المخيِّب‪ .‬هو بالكاد يقرأ حتى اسمه إلا إذا‬
           ‫طب ًعا كل هذا وبرمته لا قيمة بالنسبة‬            ‫نقش له داخل دماغه وهذا ضرب من الخيال‬
            ‫له‪ ،‬فكحال أي لص ما يهمه في المقام‬           ‫المحايث لل ُم َحال‪ ،‬لكن لا أظن أننا سنقترف ُجر ًما‬
           ‫الأ َّول وحتى الأخير هو القيمة الما ِّدية‬
           ‫للهاتف الذي (جازف ُه) لت ِّوه كما يقول‬           ‫اخلاقيًّا من اأي نوع لو أننا استعرنا الوجه‬
             ‫في س ِّر ِه مبته ًجا‪ ،‬جازفه من الراكب‬           ‫الآخر لهذا الظن الخائب وافترضنا أنه قرأ‬
         ‫المستكين بمحاذاة نافذة الحافلة بمحطة‬               ‫الجملة بالفعل‪ ،‬لن يضير ذلك أح ًدا‪ ،‬كما أنها‬
           ‫المواصلات يد ِّون أفكا ًرا أو ملاحظات‬         ‫‪-‬أي الجملة‪ -‬ستبدو له بلا شك جملة شاعرية‬
           ‫صغيرة استرعت انتباهه ريثما تغرق‬               ‫إلى حد مقبول‪ ،‬في الحقيقة ستبدو شاعرية بعد‬
           ‫الحافلة بالركاب قبل انطلاقها صوب‬            ‫تعديل طفيف‪ ،‬سواء بتشذيبها من بعض العوالق‬
                                                         ‫أو ترقيعها بقليل جم ٍل موسيقية وعبارات أكثر‬
                            ‫وجهتها المقصودة‪.‬‬             ‫اتسا ًقا وملاءمة لسياقها الذوقي العام‪ ،‬وهو ما‬
                                                         ‫فعله اللص بالضبط‪ ،‬لكن دون قصد‪ .‬إذ وبينما‬
                     ‫(‪)2‬‬                                ‫كان منهم ًكا بتفحص ميزات الهاتف الذي سرقه‬
                                                            ‫لتوه مرر إصبعه السبَّابة على الشاشة التي‬
               ‫منذ اليوم الذي ُسرق فيه هاتفي‬                ‫لا تزال مثبتة على تطبيق ‪،Samsung Note‬‬
              ‫اللوحي بمحطة المواصلات العا َّمة‪،‬‬          ‫لمس هذه الجملة محط الحديث‪ ،‬لتبدو في وضع‬
              ‫تملكتني رغبة جامحة في الانتحار‬            ‫استعدا ٍد تام للتعديل والتحرير‪ ،‬ظهر أعلى لوحة‬
         ‫وتخليص نفسي من حياتي التي ليست‬                ‫مفاتيح الكتابة عدد من الكلمات التنبؤية والوجوه‬
   ‫جميلة ولا سيئة بمجملها‪ ،‬أمر قد يثير دهشة‬           ‫التعبيرية المقترحة التي كان يفرط صاحب الهاتف‬
‫الكثيرين من أصدقائي وأقاربي وكل من يعرفني‬              ‫الأصلي من استعمالها في تدوين ملاحظاته المهمة‬
    ‫عن قرب وقاسمني بع ًضا من تفاصيل حياته‬             ‫وجدولة أنشطته اليومية‪ ،‬على نح ٍو لا يسعنا سوى‬
 ‫وبادلته بدوري بالمثل‪ ،‬حتى أنا نفسي غرقت في‬             ‫أن نقيض عليه مصطلح المتخبط والبِلا أي هدف‬
  ‫لجة الاندهاش ولا أملك أية أسباب مقنعة أبرر‬           ‫مخطط له دهس اللص كلمة «حياة» واختارها من‬
‫بها هذا الدافع المفاجئ لوضع نقطة الختام بنهاية‬           ‫بين مجمل الكلمات المقترحة أعلى اللوحة لتلحق‬
   ‫سطر حياتي‪ .‬إنه إحساس وحسب‪ ،‬ومنذ متى‬
 ‫كانت الأحاسيس والرغبات اللا واعية الغامضة‬
   109   110   111   112   113   114   115   116   117   118   119