Page 121 - merit 52
P. 121

‫نون النسوة ‪1 1 9‬‬                                       ‫الاعتيادية التي تجعل وجوده مرهو ًنا بالموقف‬
                                                   ‫وبالفعل‪ ،‬وهنا تتحدد هذه التشكيلات السينمائية‬
  ‫التي تصلح أن تعطي للسرد ثلاث صور متعددة‪:‬‬
           ‫‪ -‬صورة الفكرة في مستواها المباشر‪.‬‬            ‫تحدي ًدا تبتعد به عن الموقف العام‪ ،‬أو المواقف‬
                        ‫‪ -‬صورة المفسر للفكرة‪.‬‬       ‫الوجودية التي تشير إلى التفكير السردي بقدر ما‬

      ‫‪ -‬صورة الراوي وهو يوزع المعاني داخل‬               ‫تقترب من التصوير الاعتيادي لحركة الحياة‪.‬‬
                                       ‫الحكاية‪.‬‬     ‫إن أهم ما يميز التفكير الحكائي أنه يقدم الإنسان‬
                                                     ‫في صورته الطبيعية بعي ًدا عن التوجهات النوعية‬
    ‫ومن ذلك‪ ،‬وفي غمرة السرد الذاتي نجد ال َّراوية‬    ‫التي ترصد وتشير إلى الأفعال المركزية‪ ،‬وبالتالي‬
‫تقحم فكرة موضوعية تضاف إلى الأفكار الإنسانية‬         ‫فلا أفعال مركزية في السرد‪ ،‬ولكن الفكرة تتخلق‬
‫العامة التي تشير إليها‪ ،‬وتعتمد على طرحها المباشر‪،‬‬   ‫من الموقف‪ ،‬ولأن المواقف متغيرة إلى درجة كبيرة‪،‬‬
                                                    ‫فالأفكار هي الأخرى متغيرة‪ ،‬وبالتالي كلما تغيرت‬
     ‫ودلالاتها التي تصل إلى التقرير بالفعل‪ ،‬وأمام‬     ‫الأفكار ابتعد السرد عن الصورة الوجودية التي‬
   ‫التنوع الفكري لما يشبه حركة الإنسان في حياته‬
  ‫الاعتيادية‪ ،‬نجد المعنى يتحول من صورة التفكير‬        ‫نراها عند الروائيين أصحاب الاتجاهات الفكرية‬
    ‫الذاتي إلى صورة التفكير الموضوعي‪ ،‬بما يشير‬                                            ‫النوعية‪.‬‬
 ‫إليه هذا التفكير من أدوات تعبير تعطي للسرد قوة‬
   ‫الواقع‪ ،‬بعدما أعطت له تأرجح الذاتي والإنساني‬               ‫التفكير الحكائي‬

                                    ‫والاعتيادي‪.‬‬    ‫الإشارات في السرد تشير دائ ًما إلى موقف إنساني‪،‬‬
      ‫فبعد ثلاثة فصول قصيرة بعنوان «السيرة‪-‬‬            ‫وتتشظى اللغة داخل هذه الإشارات‪ ،‬مما يجعل‬
       ‫حنين‪ -‬بهجة” وهي تشير إلى غلبة التفكير‬          ‫النسيج اللغوي المتشابك جز ًءا من بنية النص(‪)3‬‬
     ‫الحكائي الإنساني الذي يقدم الحياة من وجهة‬        ‫ومن ثم يتحول هذا الموقف المتشظي إلى صورة‬
 ‫النظر الذاتية‪ ،‬التي تبطن مجازات صغيرة ومواقف‬           ‫عامة من صور الوجود‪ ،‬وهذه الصورة العامة‬
    ‫رمزية لا تحوي الفكرة العامة‪ ،‬ولكنها تنوع في‬
 ‫تصور هذه الفكرة بأكثر من أسلوب‪ ،‬نجدها تعود‬          ‫هي نفسها الحركة السردية المحايدة التي تتعامل‬
 ‫إلى المدي الطويل في حركة السرد‪ ،‬ومن سمات هذا‬       ‫مع الزمان والمكان بالمفردات المحايدة التي أشرت‬

                                        ‫التنوع‪:‬‬        ‫إليها‪ ،‬ومن ثم يلجأ النص في أحايين كثيرة إلى‬
                ‫‪ -‬التداعيات الحكائية المتنوعة‪.‬‬      ‫تقديم التصور الخاص بالتفكير الحكائي من داخل‬
  ‫‪ -‬الحركة بأسلوب “كاميرا” العين الإنسانية‪.‬‬
   ‫‪ -‬دور الراوي العليم الذي يملك زمام الأمور‪.‬‬         ‫هذه الصورة‪ ،‬وبالأخص في الفصول التي تعتمد‬
     ‫تقول الراوية تحت عنوان «أن تكون مصر ًّيا»‪:‬‬      ‫على المدى السردي القصير‪ ،‬ولأن السرد موجود‬
       ‫“صرخات متتاليات تقطع صمت الظهيرة‬             ‫بقوة (الأنا) أقصد قوة سرد الأنا‪ ،‬فإن اللجوء إلى‬
        ‫الحارة‪ ،‬جرينا جمي ًعا‪ ،‬ألسنة النار تش ُّق‬  ‫تكثيف المعنى‪ ،‬وارتباطه بالتفكير الإنساني جزء من‬
   ‫السماء‪ ،‬دخان يرتفع‪ ،‬ورماد يتطاير‪ ،‬أصوات‬         ‫الفكرة الأساسية التي يعتمد عليها الرواة في النص‪.‬‬
       ‫مذعورة ينادي بعضها بع ًضا في الحريق‬           ‫المقصود بالرواة «الشخصيات» التي تتحاور من‬
   ‫الذي أحال النهار ظلا ًما‪ .‬ماس كهربائي حدث‬          ‫داخل الأنا‪ ،‬وهذا يعطي للسرد نو ًعا من التداخل‬
     ‫في دكان البقالة الممتلئ بالبضاعة‪ ،‬وسطحه‬
 ‫المزدحم بأكوام من الكراتين الفارغة والملحق به‬                      ‫الذي يقوم بدوره داخل الحكاية‪:‬‬
   ‫موقد كبير مع أنبوب َت ْي غاز لعمل الحواوشي‬                      ‫الأول‪ :‬سيطرة الأنا على السرد‪.‬‬
                                                         ‫الثاني‪ :‬يقدم فكرة التحولات داخل الرواة‪.‬‬
                    ‫والساندوتشات للساهرين‪.‬‬               ‫وسوف يقدم البحث نموذ ًجا من هذا التفكير‬
‫وقفت أمسك يد سلمى‪ ،‬وأنا أرى الشباب‪ ،‬شباب‬             ‫الحكائي الذي يقوم على قوة الفكرة الإنسانية من‬
                                                   ‫ناحية‪ ،‬والاعتماد على ما يسمى «بالكتل المعنوية”‬
  ‫قريتي‪ ،‬يقذفون بأنفسهم داخل النيران‪ ،‬كأنهم‬
    ‫لا يهابون الموت‪ ،‬وبعد جهد مض ٍن نجحوا في‬
   116   117   118   119   120   121   122   123   124   125   126