Page 123 - merit 52
P. 123

‫نون النسوة ‪1 2 1‬‬                                    ‫أص ًل نحن في «الشرفة» لا نبحث عن أحداث بالمعنى‬
                                                         ‫الكلاسيكي للمصطلح‪ ،‬ولكننا نبحث عن ظلال‬
                    ‫ماذا وراء المحكي ودلالاته؟‬
    ‫غالبًا الرواة من هذا النوع لا يقدمون في السرد‬   ‫حكائية تقدم الزمن النحوي في صورة شبه متكاملة‬
  ‫أسبا ًبا ظاهرة تجعل الناقد يبحث عن شواهد من‬          ‫من الناحية المعيارية‪ ،‬ولا أدري‪ :‬هل يمكن اعتبار‬
    ‫المنظورات الحكائية المتداخلة‪ ،‬والتي تعد مدخ ًل‬      ‫هذه السمة البنائية موق ًفا إيجابيًّا لصالح النص‬
   ‫لبلاغة الرواية المعصرة(‪ .)5‬ومن هنا ندعم رأي‬         ‫ومفرداته بداية من الرواة‪ ،‬والأفعال‪ ،‬والمنظورات‬

        ‫الرواة‪ ،‬لأن مجرد الحكي في هذا النوع من‬      ‫السردية‪ ،‬أم يع ُّد ذل ُك موق ًفا سلبيًّا؟ ولكن اللافت أن‬
  ‫النصوص يقدم الصورة المثلى للشخصيات‪ ،‬ولكن‬          ‫التفكير الحكائي المتوالي حتى داخل الفصل السردي‬
  ‫الإجهاد الذي تقدمه الرواية كبير في مقابل التتبع‬
                                                         ‫الواحد‪ ،‬يكاد يكون هو العنصر المشكل لقضية‬
   ‫اللاهث للأفعال البدنية الكثيرة التي تقدم حركة‬      ‫المعنى في مثل هذه النصوص السردية‪ ،‬إضافة إلى‬
     ‫السرد بنوع من شفافية المباشرة التي ترشح‬           ‫أن الرواة يقدمون أنفسهم بشكل يجعل من حالة‬
                                                       ‫«المتكلم» سمة بنائية أساسية‪ ،‬والبناء مع ضمير‬
‫الرواية لعمل «سيناريو» كبير داخل منظور سردي‬
  ‫واحد‪ ،‬أما فيما يخص أن بعض الفصول السردية‬                ‫المتكلم يحتاج إلى جهد كبير في متابعة الأفكار‬
 ‫يمكن أن تقدم منظو ًرا مستق ًّل‪ ،‬ولو بشكل نسبي‪،‬‬     ‫والأحداث التي تمثل أحيا ًنا شك ًل من أشكال التفكير‬
    ‫وهذا يجعلني أقول إننا بصدد متوالية سردية‪،‬‬       ‫الموضوعي‪ ،‬والذي يعمل عمل الحوار الخاص‪ ،‬ليس‬
  ‫وكتابة المتواليات السردية‪ ،‬وهي حالة بين القصة‬     ‫بمعنى «المونولوج»‪ ،‬ولكن بمعنى «تجاور» صوتين‪،‬‬
   ‫القصيرة والرواية‪ ،‬أصعب‪ ،‬لأن الرواة مطالبون‬
            ‫بالحفاظ على عدد من عناصر الحكاية‪:‬‬           ‫الأول صوت الفعل‪ ،‬والثاني صوت المتكلم‪ ،‬وفي‬
         ‫‪ -1‬الخط العام لسير الفكرة الحكائية‪.‬‬         ‫حالة رواية «الشرفة» فإن صوت الفعل في أحايين‬
     ‫‪ -2‬الارتباط الشكلي والمعنوي بين الحالات‬           ‫كثيرة يعلو على صوت المتكلم‪ ،‬والمقصود بصوت‬
                                     ‫المتشابهة‪.‬‬     ‫الفعل الموضوعي‪ ،‬أو المضاف إلى الموضوع‪ ،‬هو نوع‬
     ‫‪ -3‬الإحالات بين المتواليات يحتاج إلى دقة‬        ‫من تفسير الأفكار أو تحليل المواقف‪ ،‬أو البوح بما‬
     ‫كبيرة في الحفاظ على شكل المظهر الحكائي‬         ‫يشبه الفعل ورد الفعل‪ ،‬وسنجد هذا البناء يتوالى في‬
                                       ‫للرواية‪.‬‬     ‫كل الفصول السردية‪ ،‬ففي فصل بعنوان «القاهرة»‬
                                                     ‫وهو من الفصول التي تتخذ من المكان دا ًّل سرد ًّيا‬
‫ومن هنا‪ ،‬فإنني بصدد البحث عن حالة من الترميز‬
  ‫أحيا ًنا‪ ،‬والمعادلات الموضوعية أحيانًا داخل النص‬       ‫ظاهر ًّيا‪ ،‬ولكنه لا يقدم شيئًا داخل الفصل لهذا‬
                                                    ‫ال َّدال‪ ،‬مما يجعل الطرح الذي قدمته حول «حيادية»‬
                             ‫الهوامش‪:‬‬
                                                       ‫التفكير الزماني والمكاني‪ ،‬في رواية «الشرفة» هو‬
  ‫‪ -‬د‪.‬شكري عزيز الماضي‪ :‬أنماط الرواية العربية‪،‬‬      ‫أظهر السمات البنائية‪ ..‬ولأن هذا الفصل هو الأخير‬
                   ‫عالم المعرفة‪ ،2008 ،‬ص‪.100‬‬
                                                         ‫في الرواية‪ ،‬فقد كنا ننتظر من «الراوية» وضع‬
     ‫‪ -1‬سوزان كمال‪ :‬الشرفة‪ ،‬دار الأدهم للطباعة‬           ‫تصورها الموضوعي في موازاة حركة الأفعال‪،‬‬
                        ‫والنشر‪ ،2022 ،‬ص‪.28‬‬             ‫ولكنها آثرت أن تقدم هذا التشكيل الحدثي حتى‬

   ‫‪ -2‬د‪.‬محمد فكري الجزار‪ ،‬العنوان وسيموطيقا‬                                             ‫نهاية النص‪.‬‬
    ‫الاتصال‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،1998 ،‬‬         ‫اللافت أي ًضا أننا يمكن أن نعتبر «الشرفة» من‬

                                        ‫ص‪.21‬‬               ‫روايات «الحالة»‪ ،‬وهو مصطلح يتوازى مع‬
                            ‫‪ -3‬الشرفة‪ ،‬ص‪.115‬‬            ‫مصطلح رواية «الحدث»‪ ،‬أو رواية «المكان»‪ ،‬أو‬
 ‫‪ -5‬د‪.‬محمد زيدان‪ :‬بلاغة النص الروائي المعاصر‪،‬‬            ‫رواية «المجاز»‪ ،‬ولكنها حالة تنتمي إلى أسلوب‬
‫مركز الكتاب الأكاديمي‪ ،‬عمان‪ ،‬تحت الطبع‪ ،‬يراجع‬          ‫السرد الظاهر المادي الذي لا يخبئ مست ًوى آخر‬
                                                    ‫من مستويات الدلالة‪ ،‬وهذا ما جعلني في بداية هذه‬
                                        ‫ص‪.19‬‬             ‫المقالة البحثية أضع العنوان على هيئة تساؤل‪:‬‬
   118   119   120   121   122   123   124   125   126   127   128