Page 64 - merit 52
P. 64
العـدد 52 62
أبريل ٢٠٢3
وسجناء بلا جدران «إن أكثر ما يؤذي الشرطة أسماع مسؤول السجن ،الذي انتفخت أوداجه
ويزدريهم هو وصفهم بالغرباء ،ذلك لأن ج َّل حن ًقا ،لمثل هذا الخطيئة التي لا تغتفر ،فأوعز
شرطة (واسط) كانوا غرباء عنها في واقع في الحال باستدعاء ثلاثة من الش َّحاذين،
الأمر .إذ سبق أن جاء بهم الأمير من ولايات القريبين إلى (الساقي) ،وجلدهم جل ًدا عظي ًما
بعيدة ،ليتيسر له قمع أهل البلاد بواسطتهم.
وكان من البديهي أن يتزاوج هؤلاء الغرباء بالسياط ،ثم عرض عليهم خبر صاحبهم،
مع بعض من أهل البلاد ،كتزاوج الخيول مع فأيدوا الأقوال بح ِّقه .وهكذا اقتادوا (الساقي)
الحمير ،فتمخض ذلك التزاوج عن البغال؛ على
حد وصف نزلاء السجن .وقد أحرنت بعض مك َّب ًل بالقيود ،وقتلوه على الفور» .لم يكن
تلك البغال ،فأودعت السجن ،وبالنتيجة صار حراس السجن وعيونهم إلا تمثي ًل للسلطة،
لهم رك ًنا لا يستهان به في السجن ،هو (ركن وممارسة التعذيب الجسدي والنفسي من أجل
البغال) .وكان أولئك البغال ُيكرهون أنفسهم
الحصول على الاعترافات.
على معاملة نزلاء السجن معاملة حسنة، ونلحظ في الرواية ذكر لاسم السجان ولقبه
ويتظاهرون بالمودة والوئام معهم ،في سعي وكذلك ِذك ًرا لأوصافه« .كان هذا الرجل ،الذي
زارهم برفقة شرطته ،أشهر علم في (الديماس)،
لدفع أي شبهة عنهم .ولكن مما ُيلاحظ أن ويشغل منصب معاون آمر السجن .وكان آمر
الشرطة والح َّراس لم يقسوا عليهم في أي يوم السجن الحقيقي هو (صاحب الشرطة) ذاته،
فهذا السجن هو أكبر وأخطر سجون الأمارة،
من الأيام ،بل كانوا يتحاشونهم ،ويغ ُّضون وأبرز دعائم سياستها ،ومن كان يعمل فيه
عنهم الأنظار في الواقع» .لذا فالسجان ممثل كانوا من أفضل رجالات الشرطة ،وأكثرهم
السلطة ،تكون سيطرته مرعبة على السجناء ،لأنه
مصدر التضييق والتعذيب والإهانة .ويعوضون عت ًّوا ،ولكن مشاغل (صاحب الشرطة)
الشعور بالدونية ،فهم يفتقدون إلى أهم ما يعتز به الجسيمة لم تكن تسمح له بالتف ُّرغ لإدارته
العربي النسب الصريح ،ثم إن بعدهم عن الطابع
العربي يجعلهم يتنصلون عن أهم سمات العربي مباشرة ،فكان يعهد بشؤونه إلى معاونه
من الشجاعة والمروءة ،لذا جاء وصفهم بالحمير هذا في السجن ،الذي كانت جميع الأوامر
ووصف المرأة العربية المتزوجة منهم بالخيول، والتوجيهات ،في واقع الأمر ،تخرج من بين
أصابعه المز َّينة بأحلى الخواتم الثمينة .دأب
وقط ًعا تكون النتيجة خلق هجين ما يعرف رجاله يهابونه ،ويتسابقون لتنفيذ أوامره.
بالبغال ،يتسمون بالقوة والصبر ،وبما أنهم من كان هذا الرجل مشر ًقا على الدوام .أمر َد ،جميل
الطلعة ،كالشيطان ،وصاحب جسد رشيق
البغال فيكونون غير قادرين على الإنجاب ،في وناعم ،يتبختر بملابس الأمراء .وعلى الرغم
إشارة إلى عقمهم ونهايتهم وعدم قدرتهم على من تم ُّيزه ،إ َّل إن السجناء كانوا يجهلون اسمه
الاستمرار في هذا الطريق ،لذا ما إن يخرجوا عن الحقيقي .عرفوه جمي ًعا باسم واحد لا غير
طريق السلطة يكون مصيرهم السجن أي ًضا. هو (الضبع) ،ذلك الحيوان الدنيء الطباع».
الرواية تطرح مأساة الأنسان العربي قدي ًما، إن «الجلاد المتخصص بالتعذيب الجسدي هو
والذي لا يختلف عن الإنسان الحديث المقهور في الواقع نكرة أمام رؤسائه وزعيمه ،إنه مجرد
في وطنه ،والمسحوق من قبل السلطات ،لكن هذا أداة بالنسبة إليهم تفقد قيمتها ومكانتها حين
القهر يقابله نهوض من قبل شخص أو شخوص تصبح غير فعالة .وهو ما يصعد من ساديته كي
قادرين على التغيير ،وخلق أجيال تأخذ على عاتقها يحتفظ بمكانته كأداة فعالة لخدمة أسياده» ،فهم
يراقبون السجين خو ًفا من التمرد ،ويؤمنون بأن
مشعل التغيير هؤلاء السجناء هم ضد السلطة ،وهم في حقيقتهم
لا يختلفون عن السجناء فهم منبوذون أي ًضا